مال و أعمال

تكلفة الفرصة البديلة كيف يجد المستثمر أفضل


إذا كان معك 20 ريالًا، فإذا أنفقتها لشراء وجبة الغذاء على سبيل المثال، فإنك في هذه الحالة ستكون قد فقدت إمكانية استخدام العشرين ريالًا في شراء أي شيء آخر، سواء كان وجبة أخرى، أو شراء سلعة من المتجر مثل القهوة أو الشاي أو حتى التبرع بها لأعمال الخير.

لذا ففور إنفاق الـ20 ريالًا يظهر المفهوم الشهير في علم الاقتصاد وهو “تكلفة الفرصة البديلة”، ويقصد به أنه عندما أخصص مالا (أو وقتًا أو جهدًا) للحصول على شيء معين فإنني أفقد تلقائيًا إمكانية استخدام هذا المورد من أجل الحصول على أشياء أخرى.

تكلفة الجهد المبذول 

هذا في عالم الاقتصاد، أما في عالم الاستثمار وسوق الأسهم فإنه يمكن القول إن “تكلفة الفرصة البديلة = العائد المحتمل – العائد المتحقق”: فإذا كان العائد المحتمل أكبر، فمعنى ذلك أن المستثمر خسر اقتصاديًا، حتى وإن كان حقق ربحًا محاسبيًا يرفع رأسماله. 

ولكي يتجنب المستثمر الوقوع في فخ تكلفة الفرصة البديلة فإن أول ما عليه الاهتمام به هو وضع خطة استثمارية تراعي عنصري المال، والجهد المبذول في دراسة السوق، لكي يحصل على أفضل عائد من الاستثمار. 

وتوضح الدراسات أن أول ما يفقده الكثير من المستثمرين في سوق الأسهم هو الجهد والوقت قبل المال، حيث تشير دراسات إلى أن أكثر من 60% من المستثمرين يبقون أعينهم على الشاشات بأكثر مما ينبغي لمراقبة مستمرة لاستثماراتهم، وأن غالبية هؤلاء تكون استثماراتهم صغيرة. 

وعلى الرغم من أن إبقاء الأعين على الشاشات منطقي في حالة المضاربة قصيرة المدى للغاية، فإنه غير منتج لمن قرر شراء سهم لاستثمار متوسط أو طويل المدى، وتتسبب المراقبة المستمرة للأسعار في السوق بلا انقطاع، مع غيرها من العوامل في إصابة 80% من المتداولين في السوق بأمراض عضوية مرتبطة بالضغط العصبي. 

ويبرز هذا المنحى في التعاملات العاجلة في سوق الأسهم بصورة أكبر، وربما تمثل العملات المشفرة أسوأ ما في هذا الأمر حيث إن 99% من متداوليها يخسرون أموالًا على الرغم من أن أكثر من ثلثي المتعاملين يقومون بتتبع سعر العملات باستمرار وعلى مدار الساعة، بما يجعلها خسارة للجهد والوقت والمال معًا. 

“إنهم يخسرون كل شيء” 

وفي هذا الإطار، ينقسم غالبية المستثمرين بين قسمين، الأول يبذل جهدًا أقل مما ينبغي في الاستثمار بمنطق الرهان على فوائضه المالية، والقسم الثاني هو المقصود هنا حيث إن نسبة 35% يقضون أوقاتًا طويلة في تتبع الأسواق وأخبارها، ولكن غالبيتهم لا يحقق نتائج جيدة لأن التتبع يكون من دون دراسة لأسس السوق أو دون خطة استثمارية واضحة وقدرة على تقييم الشركات بشكل صحيح.

ولذا يجب على كثير من المتعاملين في سوق الأسهم لا سيما من ذوي الاستثمارات الصغيرة سؤال أنفسهم إذا كانت الأوقات التي يقضونها في تتبع الأسهم تكافئ الأرباح التي يحققونها أم أن قضاء نفس الوقت في عمل أو استثمار آخر من شأنه تحقيق عائد أعلى. 

وهنا يشير “بيل ويليامز”” المستثمر والكاتب الأمريكي الشهير في مجال الأسواق، وأحد أهم رعاة التحليل الفني إلى أن الطريقة التي جربها بشكل فعال كانت وضع خطة زمنية قصيرة لكنها “ملزمة” له دون أن يعمل على تغييرها. 

فهو يتوقع ارتفاع سعر سهم لشركة طبية بنسبة 10% مثلا بسبب انتشار وباء يفيد شركات الأدوية، فيبيع السهم بعد فترة وجيزة من الإعلان عن اكتشاف الدواء، أي بعد أن يتم تسعير التوقعات وبعد لحاق البعض بالركب، مشيرًا إلى عدم التزامه سابقًا بالخطط. 

وفي هذا الإطار يشير “ويليامز” إلى أنه كان يمنع نفسه من “التعلق” بالأسهم، موضحاً أن هذه من بين أهم أسباب خسارة المستثمرين والتي تؤدي بهم إلى تكبد تكلفة الفرصة البديلة، حيث تصلهم معلومة بأن سهمًا قد يكون متجهًا للصعود فيعملون على دراسته ويجدون مؤشرات أخرى تدل على أنه قد يتراجع إلا أنهم يتجاهلونها “عمدًا” لـ”تعلقهم” بسهم بعينه. 

كما يرى “ويليامز” أن كثيرين يخسرون “كل شيء” في الأسواق، من وقت وجهد ومال، وذلك بسبب أنهم لا يضعون الاستثمار في الأسواق “في حجمه الحقيقي” فيجعلونه بمثابة قضية مركزية في حياتهم، وهو ما يتعارض بالتأكيد مع مفهوم تكلفة الفرصة البديلة. 

خسارة كبيرة للمال 

وبشكل عام يخسر 90-92% من المتداولين في سوق الأسهم، بما يؤكد غياب تام لمفهوم تكلفة الفرصة البديلة لدى هؤلاء، ويتمكن 0.5-2% من تحقيق أرباح تتفوق على متوسط السوق، أي أن هذه النسبة المحدودة فحسب هي التي تتمكن من إدماج تكلفة الفرصة البديلة في تحركاتها في السوق وتحافظ على تفوق استثماراتها باستمرار.

وتشير دراسة لجامعة “ستانفورد” إلى أن أكثر من 80 % من المتعاملين يطيلون الاحتفاظ بالأسهم أكثر مما ينبغي أو يبيعونها بشكل مبكر، وفي حالة الاحتفاظ فإن ذلك يشير إلى “أمل” المتعامل بأن يرتد سعر السهم الهابط صاعدًا، وهنا يفقدون فرصة بيع السهم في أعلى قممه والانتقال لسهم آخر، أي يخسرون بمنطق تكلفة الفرصة البديلة. 

وفي المقابل فإن قرابة 70% من المستثمرين يفقدون الفرص من خلال التردد في الشراء، بما يجعل سيولتهم المالية تظل بلا استخدام لفترات طويلة تمنعهم من تحقيق العائد المنتظر من استغلالها في السوق. 

ويشير “مارتن شوارتز” أحد أشهر المتداولين في العقود المستقبلية وعقود الخيارات إلى أنه تمكن من التفوق على السوق باستمرار (أي بتجنب خسارة تكلفة الفرصة البديلة) وكانت مكاسبه تزيد على السوق بنسبة 4-7% في المتوسط لمدة 3 عقود من الزمان وذلك فقط بتحليل أكثر دقة للمستقبل. 

وشارك “شوارتز” في “مسابقة الاستثمار” عام 1984 وتمكن آنذاك من عمل توقعات دقيقة لأكثر من 12 سهمًا سواء على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، وذلك بما وصفه بقدرته على تحديدة المعلومات المهمة من تلك غير المهمة، وعلى إعطاء كل معلومة وزنها النسبي المستحق (أي بتجنب خسارة تكلفة الفرصة البديلة لجهده ووقته).

ويؤكد “شوارتز”، والذي عمل بطريقتي الاستثمار طويل المدى وقصير المدى أن “البحث” وتجنب الأفكار المسبقة والاتجاهات الشائعة هو الوسيلة الرئيسية من أجل تجنب تكرار فشل كثيرين في سوق الأسهم، والتوقف عن الاعتقاد بأن سوق الأسهم مكان شديد السهولة، أو فائق التعقيد لأنه ليس أيًا من ذلك فهو معقد ومتداخل ولكن يمكن في نفس الوقت فهمه والنجاح فيه.

ويشير “روبرت جونسون” أستاذ المالية في جامعة كريتون، إلى أن كثيرا من الناس يسيء التصرف في الأسواق، معتبرًا أن  “خير مثال على ذلك هو تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالنقد”. مضيفا أن الناس يظنون أن “المال السائل هو الملك” لكن الاحتفاظ بالمال وحده على المدى الطويل، يضمن أنك ستواجه خسائر كبيرة في الفرص، وفي نفس الوقت فإن عدم وجود فوائض يؤدي لخسارة الفرص أيضا، داعيًا لسيولة في حدود 10-30% من الأصول وفقًا لحالة السوق.

ويمكن بصفة عامة بعد استعراض ما سبق توصيف تكلفة الفرصة البديلة بأنها تكلفة اتخاذ خيار ما، وفي عالم الاستثمار وسوق الأسهم فإن الاختيار يتعلق دومًا بالمال والوقت والجهد، لذا فإن التوازن بين العائد والإنفاق حيوي وهام ليكون سوق الأسهم للمتداول لا عليه.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى