فى السنوات الأخيرة تعالت الأصوات المطالبة بضرورة إعطاء المرأة ميراثها الشرعى، بعد أن نجحت المؤسسات القائمة على محاربة التمييز ضد المرأة وخاصة هيئة الأمم المتحدة ، فى توصيل رسالتها إلى العالم بأن المرأة نصف المجتمع فهى الأم والزوجة والأبنة .
أما فى صعيد مصر وخاصة فى محافظة سوهاج فللأهالى رأى آخر ، بعد أن زادت وتيرة الخلافات الأسرية والعائلية بسبب استبدال الميراث بما يسمى ( الرضوة ) وهى أن تأخذ المرأة مبلغا من المال فقط بدلا من نصيبها في الأرض أو العقارات ، كما أن هذا المبلغ لا يزيد عن ربع قيمة تلك الأرض والعقارات ، ما نتج عنه العديد من المشاجرات التى سجلتها دفاتر الشرطة وامتلأت بها ملفات النيابة العامة .
فى هذا التحقيق نحاول الوصول إلى أسباب تلك المشكلة وطرق علاجها من خلال رأى الدين والقانون والمجتمع ودور الإعلام فى تغطية هذه الظاهرة .
التقينا مع بعض الأهالى بسوهاج لمعرفة أقوالهم في هذا الموضوع فقال محمود ناروز مدير آثار المنشاه إن بعض النساء ترتبط ارتباطا وثيقا بأهلها منذ ولادتها حتى وفاتها ، حيث جرت العادة والعرف بقيام أشقائها بزيارتها وحمل الهدايا لها وخاصة في المواسم المتعارف عليها بيننا فى سوهاج مثل عيد الفطر وعيد الأضحى بل إن بعض النساء عندما تتعرض لمرض تتوجه لمنزل أبيها ليقوم أخوتها باصطحابها للأطباء لعلاجها ، واعترض على حرمانها من الميراث ذاكرا لنا قصة حدثت مع إحدى جيرانه عندما قام أبوها بكتابة ممتلكاته لشقيقها وبعد مرضه لم يتحمله ابنه الذكر بل تحملته ابنته الأنثى التى جردها من الميراث فيما يعرف بعملية ( التجريد ) ، بينما أكد البدرى أبو حميد بأن المرأة إذا تزوجت من أحد أبناء عائلتها فتأخذ حقها كاملا من أراض أو عقارات ، أما إذا تزوجت من شخص من عائلة أخرى فيكتفى أهلها بإعطائها الرضوة ، حتى لا يقوم شخص ليس قريبا لهم بزراعة أرضهم وتكثر المشكلات بسبب الحدود الزراعية أو التسابق على عمليات الرى ، محمود عبدالودود مفتش بالجمارك يقول توفى جدى تاركا قطعة أرض زراعية لوالدى وشقيقته دون أن يخالف شرع الله ويكتب لولده الأرض ويقوم بتجريد أبنته وقام والدى بتخيير شقيقته فى الأرض التى تناسبهما واختارت الأفضل ، ومن عجائب القدر أنها تزوجت ومات زوجها دون أن ترزق بأطفال فورثها والدى بعد أن كان ثمن الأرض تضاعف لعشر مرات .
فى البدايه يقول الدكتور عبدالباري سليمان أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة جنوب الوادى ان حرمان المرأة من الميراث في بعض المجتمعات،وخاصة صعيد مصر قضية ترتبط بأعراف وتقاليد متوارثة لا تمت للإسلام بصلة، خاصة وأن الشريعة الإسلامية تنص نصًا قاطعًا وصريحًا على أن الميراث حق أصيل لأصحابه، وتوعد من يخالف ذلك بجهنم خالدًا فيها ويعد ذلك من اكبر الكبائر .
اما عن القانون الذي يجرم ذلك فقد صدر القانون رقم 2019 لسنة 2017 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن جريمة الامتناع عمداً عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعى من الميراث، أو حجب سند الميراث أو الامتناع عن تسليمه حال طلبه من أى من الورثة الشرعيين.وجاءت العقوبة بالحبس 6 أشهر والغرامة من 20 إلى 100 ألف جنيه”.
اما ما يحدث من مراضاة للمرأة بإعطاء جزء من ميراثها فهو من أكل اموال الناس بالباطل وكل ما أخذ بسيف الحياء فهو حرام والأول إعطاء المرأة كامل حقها بيدها وبعد ذلك لو ارادت أن تهب جزء من نصيبها لأخيها أو غيرة فلتهب منه ما تشاء .
توصياته ومقترحاته فى هذا الشأن فقال سليمان : _
اولا علي خطباء المساجد ومثقفي الصعيد توعية الناس بضرورة توزيع الميراث مباشرة بعد موت المورث وبخطورة حرمان المرأة من نصيبها
ثانيا ان تتولى دوائر خاصة بالمحاكم حصر اموال كل مورث وتوزيع التركة خلال اربعين يوما من الوفاة
ثالثا تفعيل النص القانوني الذي يجرم الامتناع عن تسليم الميراث وقبول الدعوي واعتبارها من الدعاوي التي لا يتوقف رفعها علي صاحب المصلحة بل تحركها النيابة العامة من تلقاء نفسها وسرعة البت فيها .
أما الدكتور صابر حارص أستاذ الإعلام بجامعة سوهاج فيقول :غالبا ما تحرم المرأة الصعيدية من الميراث في قرى ونجوع الصعيد، وثمة ثلاث حالات في هذا الشأن: أخوات تستحي ان تطالب اخوتها الميراث لأنه يخالف عادات وتقاليد ترى أن ترك المرأة ميراثها هو شكل من أشكال التقدير والاحترام والأصالة والمعزة الحقيقية لاخوتها الرجال..وحالة ثانية تأخذ «رضوة» بدلا من الميراث، والرضوة هي مبلغ رمزي او عقار او أرض ولكنها لا تساوي شيئا من الميراث ويلجأ الأب قبل مماته إلى هذا الأسلوب خوفا من حدوث شقاق بين النساء والرجال بعد موته وأيضا لضمان ان معظم الميراث ذهب للابناء الذكور….والحالة الثالثة تأخذ ورثها كاملا وهي قليلا ما تحدث حينما يكون الأب والأخوة يخافون حدود الله وأصحاب تربية دينية وللأسف فإن الإعلام والدراما والصحافة لم ترصد حتى الآن هذه الحالات الثلاثة، ولم تسعى لمعرفة الأعراف الاجتماعية التي تقف وراء هذا التفكير، وكل تركيزها على حالة واحدة تضخمها وتركز عليها دونما فهم بأبعادها وسبل علاجها ، ومن يتتبع أنماط التربية السائدة في ريف صعيد مصر، والعادات والتقاليد التي تحكم سلوكهم، ومعايير الضبط الاجتماعي لعلاقة المرأة بالرجل وطبيعة الأنساب التي تتم في محيط العائلة الواحدة..من يحلل هذا يمكنه التوصل إلى معالجات إعلامية ودرامية ناجحة ، ومثل هذه الأمور تحتاج إلى حملات إعلامية مخططة يشارك فيها الاعلام والصحافة والفن بكافة أشكاله إضافة إلى المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية والاجتماعية .
المستشار أبو المجد أحمد على رئيس لجنة المصالحات بسوهاج يشير إلى تزايد الصراعات بسبب الرضوة مؤكدا بأنها ( قسمة ضيزى ) أى ظالمة وجائرة ولا ترضى ربنا بل تخالف شرائعه وأحكامه حيث يقول ” تلك حدود الله ” ، وكل من يقوم بها في اللجان العرفية فهو آثم ، وإذا كان بعضهم يحاول إعطاء المرأة حقها مقابل مبلغ مالى فلا بد أن يكون هذا المبلغ مساويا لقيمة الأرض أو العقار ، وعلى السيدات اللاتى حرمن من الميراث التوجه بالطرق الشرعية إلى مراكز الشرطة لإثبات الحالة أو التوجه إلى المحاكم لرفع الدعوى مباشرة ، فالقانون يضمن لها حقها كاملا غير منقوص
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.