لغتنا العربية جذور هويتنا
عرفنا كيف تفاعلت اللغة العربية مع اللغات الأخرى قديماً، وعرفنا ذلك من مصدرين؛ فكما يوجد مفتاح اللغة فى القرآن الكريم، يوجد مفتاح اللغة فى التاريخ، وهما غير منفصلين، ويمكن الاستعانة بمصادر ومراجع عديدة للعودة إلى الجذور التاريخية التى تضىء طريق هذا المبحث، من ذلك كتاب دراسات تاريخية من القرآن الكريم، فى بلاد العرب لمحمد بيومى مهران جامعة الإمام محمد بن سعود ج1 1400هـ/1980، بادئاً بالقرآن الكريم، فالحديث فالتفسير، راجعاً إلى التاريخ منذ إبراهيم الخليل، والكعبة الشريفة، ثم العاديين قوم هود، فالثموديين قوم صالح، فالمديانيين، قوم شعيب، فسيل العرم، فقصة أصحاب الأخدود، فقصة أصحاب الفيل، ومن قبل هؤلاء حصر السيوطى فى الإتقان ما فى القرآن الكريم من ثراء لغوى استوعب من لغات القبائل خمسين لغة، ومن غير العربية: الفرس والروم والنبط والحبشة والبربر والسريانية والعبرانية والقبط، وذلك عن أبى بكر الواسطى فى كتاب الإرشاد فى القراءات العشر.
والآن نصل إلى العصر الحديث، ففى نيجيريا، مثلاً، يرجع تعلم اللغة العربية إلى القرن الحادى عشر الميلادى، حيث تعددت معاهد اللغة بها، كما نقرأ فى كتاب الثقافة العربية فى نيجيريا، د. على أبوبكر بيروت 1972.غير أن الأهم هو تأثير العربية، ومن ذلك التأثير والتأثر أحصى الباحثون سيلاً من المفردات فى اللغات الأخرى من لغتنا، والعكس، حيث انتقلت كلمات عربية إلى الفرنسية قدرت بنحو مائتين وثمانين كلمة، حسبما ذكر «بييرجيرو» فى كتابه الكلمات الأجنبية، وذكرت المستشرقة الألمانية «زيجريد هونكه» فى كتابها شمس الله تسطع على الغرب أكثر من مائتين وخمسين كلمة عربية فى اللغة الألمانية، ترجمه على حسنين بعنوان فضل العرب على أوروبا، وأعاد ترجمته فاروق بيضون، وكمال الدسوقى سنة 1964بهذا العنوان، ودافعت المؤلفة عن أثر الحضارة العربية، ترجم الألمان نحو خمسة آلاف كتاب عن العربية فى عام واحد سنة 1971، وذكر «دوزى» قائمة بالكلمات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من العربية فيها ما يربو على ألف وخمسمائة كلمة، وقارن رفائيل نخلة اليسوعى بين العربية واللغات الأخرى، وفى الإسبانية أربعة آلاف كلمة من أصل عربى، وكذلك فى البرتغالية مثل ألفاظ:
قهوة، والكحول، وقيراط، والجبر، والنسبة إلى ابن رشد، وكلمات: تعريف، وطرح، وأمير البحر، وصفر، والعود، وصوفية، والسمت، ودار الصناعة، والإكسير، والإثمد، حيث أثرت لغتنا فى نحو مائة من اللغات واللهجات العالمية فى أوروبا وأمريكا وأستراليا، ونحو خمسين من شعوب آسيا وإفريقيا، ما يذكرنا بالصلات القديمة بين الفينيقيين الكنعانيين العرب فى الشمال الإفريقى بعد هدم القائد الرومانى «سيبون» مدينة قرطاج سنة 16ق.م مع مناطق من المحيط الأطلنطى، ووصولهم إلى أمريكا الجنوبية- نشأ تأثير لغوى، وقد كشف الدكتور البرازيلى «الأديزلونيتو»ـ كما ذكر فى الجزء الأول من كتابه الأنطروبولوجية، وما نشر فى مجلة تقويم المنصور لتوفيق المدنى، ع 1343هـ صورة رخامة، مع بحث عن كشف الفينيقيين للبرازيل، ووصولهم إلى كولومبيا، وما سجله إبراهيم هاجر فى كتابه بالإسبانية، ونشر بوينس أيرس، بالأرجنتين، كما فى مجلة المعرفة، ع10، دمشق، تحمل تلك الرخامة تاريخ 125ق.م، أى بعد احتلال الرومان لقرطاج، بعد نزوع الفينيقيين عنها بنحو العشرين عاماً، مكتوبة باللغة البونية، وفيها عشرات التراكيب مفرغة فى قالب عربى مع تحريف لا يخفى، وفى الفقرة الأولى جملة حررت بالبونية تحمل السمات اللغوية لعامية الشمال الإفريقى، ومعناها بالفصحى العربية: «هنا نحن بنى كنعان من فرانم تحملنا الاحتقار»، ومعلوم أن اللغة البونية تركزت فى المنطقة فى أعقاب انتشار الحضارة الفينيقية، انطلاقاً من مدينة قرطاج بالساحل الشمالى الإفريقى غربى المتوسط، وكما يذكر عبدالعزيز بن عبدالله، الذى نرجع إليه فيما نثبته هنا فى مقاله اللغة العربية وآثارها وراء المحيط الأطلنطيكى، مجلة الفيصل، ع50، السنة الخامسة، يونيه 1981ص18، وما بعدها، وكتابه تطور الفكر واللغة فى المغرب الحديث، القاهرة 1969ص 26، وغيرها- أن العلامة محمد المختار السوسى أوصل الألفاظ البربرية عربية الأصل إلى ما يربو على خمسة آلاف كلمة، ذات أصول جاهلية، وقد بدأت البونية تختلف تدريجياً عن الفينيقية الكنعانية بتأثير من اللهجات المحلية، أى البربرية، التى تأثرت بدورها بهجرة أهل اليمن من حمير، وإن نكر ابن خلدون عروبة تلك القبائل، بدعوى عدم إشارة مؤرخى المصريين إلى هجرة الحميريين، ويرد عليه كاتب المقال بأن هجرتهم كانت من ممر أقرب، كان مطروقاً حتى القرن الثالث الهجرى وبعده، وهو طريق من الصحراء الجنوبية عن طريق بحر القلزم (السويس الآن)، وقد صنف الأب «ساسا باتيستا»، المولود فى دمشق من أبوين عربيين، قاموساً سنة 1789م جمع فيه الكلمات التى اقتبسها البرتغاليون من العربية، وهذا القاموس فى مائة وستين صفحة، كما اشترك كل من «دوزى، وإنجلمان» فى تأليف قاموس للكلمات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من العربية، وتو جد فى مكتبة الأسكوريال معاجم عربية يونانية وعربية لاتينية وعربية إسبانية صنفها علماء مسلمون، وحظى المغرب بحصة من ذلك التأثير اللغوى على الأندلس، وقد ذكر «شافروبيير» أن الجالية التى كانت تعيش فى المغرب فى القرن السابع عشر كانت تتراسل بعربية حشوها تعابير مغربية، وتكتب مراسلاتها بالحروف العربية، ونقل «دوزى» عن صاحب كتاب لويس وزارايبس دوطوليد أن العربية ظلت أداة الثقافة والفكر فى إسبانيا إلى عام 1570م، ففى ناحية بلنسية استعملت بعض القرى الإسبانية العربية لغة لها، حتى أوائل القرن التاسع عشر، وقد جمع أحد أساتذة كلية مدريد 1151م عقداً فى موضوع البيوع محرراً بالعربية نموذجاً متبعاً فى العقود، وقد تغنى شيكسبير فى مسرحية عطيل المغربى بمثاليته، وهناك مصطلحات يغلب استعمالها فى المغرب انتقلت إلى أمريكا مع السود والزنوج المنقولين إلى أمريكا، وانتشرت فى الإنجليزية، ومنها ما نذكره بالعربية هنا، ويمكن الرجوع إلى رسمه بالحروف اللاتينية: عابد- أبز صاحبه أى ظلمه- الطوب- عفريت- الله- البرنس- الربع «فى الميزان»- عنبر- أنجر «مرساة»- أوباش- عتيق- القبة- البور- بوس- أزيز- بردعة- يسيج الدار- لوم- قب- غراف- قط- كعك- قفة- شنق- جلطة- قطران- دافع- دله- قاطع- نور- فرن- فز- فتش- الغول- كأس- لام- وز- فنار- فلق- غربل- جنة- غرغر- قدما- الزهر- حورية- هول- عطل- جمجم- الكيف- لعق- قنديل- قسمة- كحل- عود، مخزن- مصطبة- معنى- مرابط- مارد- مثال- موال.
عضو المجمع العلمى وأستاذ النقد الأدبى بجامعة عين شمس
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.