فى الأسبوع الماضى مررنا سريعًا على الجزء الثالث من مذكرات يوسف وهبى التى نشرها عام 1975 تحت عنوان لافت (عشت ألف عام)، واليوم نواصل إبحارنا فى تلك المذكرات الثمينة التى ترسم لنا صورة كاشفة عن المسرح فى مصر خلال الثلث الأول من القرن الماضى.
يكتب يوسف وهبى عن عزيز عيد (1884/ 1942) رائد الإخراج المسرحى والمدير الفنى لفرقة رمسيس هذه المعلومات: (كان عزيز عيد فنانا ومخرجًا قديرًا وممثلا عملاقا «برغم قصر قامته»، لكن إجادته الفائقة للدور، أو عدم مبالاته بالمحافظة على مستواه الرفيع، تخضع فى معظم الأحيان لمزاجه الخاص، فيبدو لك عبقريًا فى ليال، ومتهاونا فى ليال أخرى. فضله كأستاذ على معظم الفنانين لا ينكر، وهو أول من ابتكر الإخراج بمفهومه العلمى فى مصر. وكان حريصًا على إفهام الممثلين شخصية الدور وأعماقه السيكولوجية والعناية بالأداء اللفظى والإلقاء).
ثم يواصل يوسف وهبى كلامه عن فرقة رمسيس المسرحية التى أسسها سنة 1923، وكيف أن إجازة المسرح كانت الأحد من كل أسبوع، فيقول ونحن الآن فى عام 1925: (أما الليالى فى مساء كل أحد، فقد كانت تقام فيها بالتوالى السهرات الغنائية… للآنسة «وقتئذ» أم كلثوم، والمطرب الصاعد حينذاك محمد عبدالوهاب. مرة كل أسبوع بالتوالى، وكانت المنافسة بينهما على أشدها. وقد كان متعهد حفلات أم كلثوم المرحوم صديق أحمد، ومتعهد حفلات الأستاذ محمد عبدالوهاب حسين شريف. وكان الاثنان أكبر متعهدى حفلات شارع عماد الدين).
اللافت أن الصراعات العنيفة كانت قائمة أيضًا بين نجوم (الزمن الجميل)، فالغيرة والتناحر والحسد كلها أمور فى صلب النفس الإنسانية، وهكذا يحكى يوسف وهبى عن الصراع العنيف الذى اندلع بين بطلتى فرقته فاطمة رشدى وزينب صدقى، وكيف أدى هذا الصراع إلى انسحاب فاطمة وزوجها عزيز عيد المدير الفنى من الفرقة.
وعن رحلته إلى ليبيا يكتب عميد المسرح: (فى ليبيا كان الوعى المسرحى وقتئذ محدودًا بعض الشيء. وقد أخطأت بافتتاح رحلتى فى مدينة طرابلس برواية «كرسى الاعتراف»، فقد أساءوا الظن بالفرقة من جراء طابع المسرحية الدينى. كما أن أكثرية من حضروا الحفلة الأولى كانوا من هواة الطرب فقط، وقد ظن النظارة أننى مطرب… بيد أن الطبقة المتنورة من إخواننا العرب الذين أدركوا الهدف من زيارتنا بالغوا فى إكرامنا والحفاوة بنا).
لا يتوقف يوسف وهبى عن سرد الغرائب التى مر بها فى ليبيا، فيكتب: (ومن طريف ما حدث أن الحاكم الإيطالى طلب منى أن أقدم المسرحية باللغة الإيطالية كى يحضرها الضباط وكبار الجالية وأسراتهم، فاتفقت مع زملائى أن نؤدى الحوار باللغتين معًا: أنا بالإيطالية، وهم باللغة العربية، وقد نجحت الفكرة نجاحًا كبيرًا… وقد أقام لى الحاكم حفلة تكريم كبرى… قبلتها مرغمًا).
يبقى أن تعلم أنه فى عام 1925 فاز كل من جورج أبيض وزكى طليمات ويوسف وهبى بالجوائز الأولى فى التمثيل فى المسابقة التى نظمتها وزارة الأشغال.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.