طقوس الأقباط فى استقبال ذكرى ميلاد السيد المسيح
أحداث تاريخية وراء صوم 43 يوماً
أسباب عقائدية فى تناول «الأسماك» أثناء الصوم
تبدأ الكنيسة الأرثوذكسية اليوم الأحد، فعاليات صوم الميلاد المجيد، إحدى أبرز الفترات الروحية التى يعيشها الأقباط خلال العام ويستغرق 43 يوماً، ويُمتنع فيه عن تناول اللحوم والألبان وتشهد الكثير من المراسم الخاصة التى تعكس مدى سعادة وفرحة الكنائس بذكرى مولد مخلص الأمة وتستمر حتى 7 يناير وقت احتفالية عيد الميلاد حسب التقويم القبطى.
كغيرها من المناسبات الروحية التى تحتفل بها الكنائس القبطية، وتشهد طقوساً خاصة ومذاقاً متفرداً عن غيرها من ذات المذاهب والطوائف المختلفة التى قد بدأت صومها فى هذه المناسبة قبل أسبوع، كما تحتفل بعيد الميلاد قبل أسبوع من احتفال الكنيسة المصرية حسب حسابات خاصة تعود لأسباب جغرافية واختلاف التوقيت بين كنائس الشرق والغرب.
يبدأ الأقباط صوم الميلاد هذا العام الذى جاء بتاريخ 26 نوفمبر لأسباب تُلقبها الكنيسة بأنها «سنة كبيسة» لذا تأخر بدء الصوم عن كل عام يوماً ليصبح 16 هاتور حسب التقويم القبطى.
ويُعد أحد أصوام الدرجة الثانية وهو ترتيب تضعه الكنيسة المصرية تقسم فيه العبادات والممارسات الدينية بالدرجات وتنسب أى مناسبة إلى السيد المسيح للدرجة الأولى السيدية، أما المناسبات التى سبقته أو غير مرتبطة بصورة مباشرة تُوضع فى الدرجة الثانية.
أسباب صوم الأقباط 43 يوماً
تُرجع مصادر التاريخ المسيحى هذه المناسبة إلى ما قبل ميلاد السيد المسيح، وتعود إلى نبى الله موسى، إذ كان عليه السلام يصوم 40 يوماً كما ورد فى سفر (خر 18: 24) وهو ينسب إلى فترة تسليم لوح الحجر لكلمة الله، وكان هذا الطقس يعرف حينها قبل مجىء يسوع المسيح، ومع مرور العصور واتباع الكثير لمخلص الأمة أضافت الكنيسة 3 أيام فيما بعد إلى الصوم وهى فترة معجزة نقل جبل المقطم فى عهد القديس سمعان الخراز، وهو أحد قديسى الكنيسة القبطية الذى كان يقطن منطقة بابليون «مصر القديمة حالياً»، وكان حينئذ الأنبا إبرآم السريانى بابا الكنيسة المرقسية الـ62 من بابوات البطريركية القبطية، وتزامنت هذه الفترة مع دخول الدولة الفاطمية، ومنذ هذه الواقعة أصبح الصوم 43 يوماً.
أسباب اختلاف الطوائف المسيحية
على الرغم من اختلاف المذاهب المسيحية فى العديد من الطقوس لأسباب متنوعة إلا أنهم يتحدون فى الكثير من المناسبات الروحية التى يكون فيها المسيح أساسها ويكون ترابطهم كالأعضاء فى جسد المسيح، حسبما يقول المعلم بولس الرسول «أنتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَاداً» (١كو ١٢: ٢٧)، وفى رسالة أفسس أيضاً (أف ٥: ٣٠)، ويكمن السبب وراء اختلافات الكنائس الأرثوذكسية والكاثوليكية فى موعد بدء الصوم والفترات المتبعة إلا أنهم يختمون الصوم باحتفالية مولد المسيح وظهور مُخلص الأمة من الاضطهاد والظلم السائد فى المجتمعات اليهودية آنذاك.
الصوم بالكنائس القبطية
وتحتضن الكنائس خلال فترات الصوم فعاليات متنوعة ونهضة روحية خاصة تضم إقامة القداسات الإلهية والتسابيح وصلوات باكر وعشية بالعظات والدروس.
أطعمة يمتنع الأقباط عن تناولها
يمتنع الأقباط خلال صوم الميلاد عن تناول اللحوم والألبان ويُسمح فيه بتناول الأطعمة النباتية والأسماك والمأكولات البحرية، ما عدا يومى الأربعاء والجمعة اللذين يمتنع خلالهما الصائمون عن الأسماك أيضاً، على خلاف الصوم الكبير باعتباره يعد صوماً من أصوام الدرجة الأولى وينتهى بعيد القيامة، وخلاله يمتنع فيه تناول الأسماك تماماً.
ويذكر التاريخ المسيحى أن الكنيسة لم تكن تسمح بتناول الأسماك إلا بعد فترات طويلة فسمحت بتناولها خلال أصوام الدرجة الثانية فقط لعدة أسباب من بينها هدف التخفيف عن الأقباط بسبب كثرة أيام الصوم واحتياجهم للبروتين الحيوانى.
تتعدد فوائد الصيام فى مختلف الجوانب باعتباره وسيلة تهذيب النفس ودليلاً إيمانياً يعكس تقدير الإنسان لنعم الله كما يعتبر بمثابة درس روحى يُعلم الإنسان كيفية التأدب مع الفقراء والشعور بحاجتهم، كما يعتبر خطوة فى سبيل التوبة، كما ورد فى بعض الكتب الإيمانية حول توبة أهل نينوى الذين عادوا من حياة الشر، عن طريق العبور فى طريق التوبة بصوم ونسك شديدين حتى تاب عليهم الله.
أسباب روحية وراء تفضيل «الأسماك» فى الصوم
يعثر الكثير من باحثى الشئون الدينية عن أسباب علمية وأخرى روحية وراء تناول الأسماك فى صوم الميلاد، ويرجعها، حسبما ذكرت الكتب القبطية، إلى المعنى الجوهرى واللغوى فى اللغة اليونانية التى تعرف بـ«أخسوس» وهى تجمع حروف (ايسوس وبخرستوس ثيؤس ايوس سوتير) وتعنى يسوع المخلص، كما اشتهر رمز «الأسماك» فى العديد من المراجع المسيحية التى تعود إلى القرون الأولى باعتبارها علامة تمكنهم من معرفة وتحديد بعضهم البعض وما زالت علامة مجلس كنائس الشرق الأوسط حتى الآن.
وتعتبر أيضاً حسب المفاهيم المسيحية من «أنقى» الكائنات الحية، وتتمتع بخصوصية كبيرة كما ذكر فى عدة مرات عن معجزات السيد المسيح ولعل أبرزها ما يعرف بـ«معجزة صيد السمك مع بطرس وإشباع الجموع».
ومن جانب آخر يفسر الأقباط «السمك» أنه نوع اللحوم الوحيد الذى ذكرته الكتب المقدسة وتناولها المسيح فى العديد من المواقف، كما يحمل قيمة غذائية ومتعدد الفوائد المشبعة والمفيدة فى آن واحد.
ألقاب عرفها الأقباط
عادة ما تعرف هذه الفترة بـ«صوم الميلاد» بسبب اقترانه بمولد المسيح ولكنه يتخذ أيضاً عدة ألقاب كنسية وهى «الصوم الصغير» وهو أحد فترات الصيام فى الديانة المسيحية يعتبره الكثير فترة تجهيز وتنقيه للنفس.
صوم الميلاد فى العصور المسيحية الأولى
لم تذكر الكنيسة القبطية أى مصدر تاريخى حول اتباع المسيحيين الأوائل طقس الصوم السابق لعيد الميلاد، إلا أن ما تم العثور عليه من مراجع أظهرت وجوده بين القرن الرابع والقرن السادس الميلادى، ثم بدأ فى الانتشار والحديث عن صوم يسبق الاحتفال بمولد المسيح، وقد كانت مدته أربعين يوما، ويعرف بـ«أربعينية الميلاد» ويكون الصوم فيه ثلاثة أيام فى الأسبوع منقطعين عن الطعام خلال أيام الاثنين والأربعاء والجمعة.
واستمر على هذا المنوال لعصور بعد ارتفاع أصوات المؤمنين فى أوروبا فقررت الكنائس الغربية الصوم، أما عن نظيرتها الشرقية فلم تتبع هذا الطقس وفرضه كونه صوماً أساسياً إلا فى عهد البابا خريستوذولس البطريرك الـ66 من بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حيث وضعه فى قوانينه التى حدد بها الأصوام المفروضة، ونظراً لعدد من الأحداث التاريخية التى تناول خلالها البطاركة مدة هذا الصوم التى بدأت فى أول الأمر 28 يوماً حتى وصلت إلى 43 يوماً.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.