سيطرت حالة من التفاؤل على المستثمرين في سوق العملات المشفرة مع الإعلان عن موافقة لجنة البورصات الأميركية أخيرا على إدراج وتداول صناديق استثمار متداولة للعملة المشفرة، بعد سنوات طويلة من الرفض.
لكن العملة المشفرة الأكبر من حيث القيمة السوقية فاجأت المتابعين بتسجيل خسائر قوية منذ إدراج الصناديق المتداولة، في صدمة للتوقعات المتفائلة من جانب الكثير من المحللين.
خسائر وتقلبات سعرية
ووافقت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأميركية في العاشر من يناير على إدراج وتداول صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) للسعر الفوري للبيتكوين، فيما كان مستثمرو العملات المشفرة يأملون في أن يؤدي إصدار (ETFs) الجديدة للبيتكوين إلى تدفق قوي للأموال من المستثمرين الأفراد في العملة المشفرة.
ومن شأن صناديق الاستثمار المتداولة أن تسمح للمستثمرين بالتعرض للعملة المشفرة بدون شراء البيتكوين بشكل مباشر والقلق حيال حفظها وفتح حساب في منصة تداول.
بالفعل، ارتفعت البيتكوين لتلامس مستويات 49 ألف دولار في اليوم التالي للموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة الجديدة، لكن في الأيام التالية لإدراج الصناديق الجديدة، تعرضت العملة المشفرة لخسائر قوية، حيث انخفضت البيتكوين عند مستويات 38.5 ألف دولار في 23 يناير، مقابل نحو 46.4 ألف دولار في العاشر من يناير قبل الموافقة على الصناديق الجديدة، لكن البيتكوين نجحت في التعافي النسبي خلال اليومين الماضيين لتعود أعلى مستوى 42 ألف دولار، لتقلص خسائرها إلى نحو 12% مقارنة بالذروة المسجلة في اليوم التالي للموافقة على الصناديق المتداولة.
وفي 2023، ارتفعت عملة البيتكوين بنحو 160%، متفوقة على الأصول التقليدية مثل الأسهم والذهب، بدعم التكهنات بشأن احتمالية الموافقة على إصدار الصناديق المتداولة للبيتكوين وتوقعات خفض الفائدة عالميا، ورغم الصعود الحاد العام الماضي، لاتزال البيتكوين تتداول أقل كثيرا من القمة المسجلة في نوفمبر 2021 والبالغة 69 ألف دولار.
«جراي سكيل» يقود الثورة
وطوال سنوات، كان صندوق «جراي سكيل بيتكوين ترست» أحد الخيارات القليلة للمستثمرين الأفراد للتعرض إلى البيتكوين بدون الشراء المباشر للعملة المشفرة، لكن الصندوق لم يكن صندوقا متداولا (ETF)، ما جعل المستثمرين غير قادرين على استرداد أموالهم بسهولة.
ومنذ بداية عام 2021، تم تداول الصندوق بخصم كبير مقابل عملة البيتكوين الأساسية التي يحتفظ بها، وهو ما وصل إلى ذروة عند نحو 50% في ديسمبر 2022، وفي عام 2022، رفعت «جراي سكيل» دعوى قضائية ضد لجنة البورصات الأميركية بعد رفض الهيئة طلب الشركة لتحويل صندوق البيتكوين الخاص بها إلى صندوق استثمار متداول، حيث قضت المحكمة في العام الماضي بعدم أحقية لجنة البورصات في رفض طلب «جراي سكيل» لتحويل صندوقها إلى آخر متداول.
وانخفض الخصم الذي يقدمه الصندوق إلى ما يقرب من الصفر بعد أن تحول إلى صندوق استثمار متداول في وقت سابق من هذا الشهر، لكن مدير الأصول المشفرة الذي أجبر المنظمين الأميركيين على الموافقة على تدشين الصناديق المتداولة للبيتكوين تعرض لخسائر بمليارات الدولارات منذ تحويل الصندوق إلى ETF.
التسييل وحرب الأسعار
قام المستثمرون بسحب 4.8 مليارات دولار من «جراي سكيل بيتكوين ترست»، بعد تحويله إلى صندوق استثمار متداول في الحادي عشر من يناير، وفقا لبيانات بلومبرغ إنتليجنس، حيث اتجه المستثمرون لجني الأرباح من صندوق «جراي سكيل»، مع التحول إلى منافسين يفرضون رسوما أقل، ما تسبب في الضغط على سوق العملات المشفرة بشكل عام، بحسب محللين في «جيه بي مورجان».
واندلعت حرب رسوم بين مديري الأصول حتى قبل إطلاق صناديق (ETFs)، حيث إنه في حين خفضت «جراي سكيل» الرسوم على صندوق البيتكوين الخاص بها من 2% إلى 1.5%، فإنها تظل أعلى كثيرا من منافسين آخرين مثل «بلاك روك» و«فيديلتي» التي قدمت رسوما مخفضة تصل إلى 0% في الأشهر الأولى، وتتراوح الرسوم الخاصة بصناديق الاستثمار المتداولة للبيتكوين الأخرى بين 0.2% و0.9%.
وذكرت تقارير أن بورصة العملات المشفرة التي تعرضت للإفلاس «إف تي إكس» باعت حيازتها من الأسهم في صندوق «جراي سكيل» للبيتكوين والبالغة 22 مليون سهم بقيمة 900 مليون دولار.
وشهدت الصناديق المتداولة الفورية للبيتكوين تدفقات سالبة مجتمعة للمرة الأولى منذ بدء التداول، مع فشل التدفقات الوافدة إلى الصناديق التابعة لـ «بلاك روك» و«فيديلتي» في تعويض الأموال التي تخارجت من «جراي سكيل»، كما شهدت صناديق الاستثمار المتداولة الـ 10 صافي تدفقات خارجة بقيمة 158 مليون دولار من يوم الأربعاء الماضي.
وانخفض إجمالي عملات البيتكوين التي تحتفظ بها جميع الصناديق الفورية المتداولة حتى الرابع والعشرين من يناير إلى 649 ألف وحدة مقابل 660 ألف وحدة في الأسبوع السابق له، ما يمثل تراجعا بنحو 11 ألف عملة، بينما كان الصندوق الوحيد الذي شهد تدفقات سالبة ذلك التابع لشركة «جراي سكيل» والذي شهد انخفاضا لحيازة البيتكوين إلى 523.5 ألف وحدة من 592 ألف وحدة.
كما تباطأت التدفقات الوافدة لصندوقي «بلاك روك» «فيديليتي» خلال الأيام الماضية، حيث أضافت الأولى 1663 عملة فقط في الرابع والعشرين من يناير، وهي أقل وتيرة منذ تدشين الصندوق، ومقابل 8705 وحدات في السابع عشر من الشهر الجاري.
جني أرباح معتاد
وقامت مجموعة من صناديق التحوط برهانات كبيرة على إطلاق صناديق متداولة للبيتكوين، قبل وقت طويل من موافقة السلطات التنظيمية الأميركية.
وذكرت تقارير أن صناديق للتحوط اشترت أسهما في «جراي سكيل بيتكوين ترست» بين عامي 2021 و2023، متوقعة ارتفاع سعرها بشكل كبير بمجرد موافقة لجنة البورصات الأميركية على الصناديق المتداولة للبيتكوين.
لكن صناديق التحوط بدأت في التخلص التدريجي من حيازتها بعد الحكم القضائي لصالح «جراي سكيل» وبعد الإدراج النهائي للصناديق في وقت سابق من هذا الشهر.
وقال «ماثيو تاتل» الرئيس التنفيذي لشركة «تاتل كابيتال مانجمنت» إن الأمر يمثل الحكمة التاريخية بـ «الشراء عند الشائعة والبيع بعد الخبر».
وأشار «تاتل» إلى أنه قبل بضعة أسابيع، كان الجميع يعلم أنه ستتم الموافقة على صناديق الاستثمار المتداولة، ليقوم المستثمرون بشرائها انتظارا للخبر ثم قاموا بجني الأرباح.
قالت «روكسانا إسلام» رئيسة أبحاث الصناعة في «فيتا إف إي» إن الأسواق كانت تسعر بالفعل إدراج الصناديق المتداولة للبيتكوين، مشيرة إلى أنه بعد فوز «جراي سكيل» بالدعوى القضائية ضد لجنة البورصات الأميركية كان الجميع يعلن أنه من المرجح إطلاق هذه الصناديق.
ويرى محللون في «جيه بي مورغان» أن جني الأرباح من الاستثمارات السابقة في «جراي سكيل» والتي تمت بخصم من صافي قيمة الأصول في العام الماضي قد تكون محركا رئيسيا وراء التصحيح الذي تشهده البيتكوين مؤخرا.
هل انتهت الموجة البيعية؟
بدأ سوق العملات المشفرة في التعافي النسبي خلال اليومين الماضيين، مع تباطؤ التدفقات الخارجة من صندوق «جراي سكيل».
وبلغت وتيرة التدفقات الخارجة من الصندوق ذروتها في الثاني والعشرين من يناير عند 641 مليون دولار، قبل أن تتباطأ إلى 394 مليون دولار في الخامس والعشرين من هذا الشهر.
وقال «شون فاريل» كبير استراتيجيي العملات المشفرة في «فاندستار جلوبال» إن هناك نمطا من انخفاض عمليات الاسترداد من «جراي سكيل»، لكن الأمر بحاجة إلى بضعة أيام أخرى من المتابعة للتأكد من استمرار هذا النمط، حيث يعتقد «فاريل» أن تباطؤ تخارج الأصول الخاضعة للإدارة لدى الصناديق المتداولة للبيتكوين سيكون بمنزلة دفعة كبيرة لسوق العملات المشفرة.
ويعتقد «جيه بي مورجان» أن عمليات جني الأرباح في صندوق «جراي سكيل» قد تكون انتهت إلى حد كبير، ما يحد من أي اتجاه سلبي إضافي لسعر العملة المشفرة.
قبل موافقة لجنة البورصات الأميركية على إطلاق صناديق (ETFs)، توقع بنك «ستاندرد تشارترد» أن إطلاق هذه المنتجات الجديدة من شأنه أن يرفع سعر البيتكوين إلى مستويات 200 ألف دولار بحلول نهاية عام 2025، كما توقع «توم لي» مؤسس شركة «فاندستار» أن المنتجات الجديدة ستدعم ارتفاع البيتكوين إلى 500 ألف دولار على مدى 5 سنوات.
لكن «دوجلاس كومين» كبير متداولي خيارات العملات المشفرة في «إكس بي تي أو» يرى أن السوق الصاعد للبيتكوين لن يتحقق، على الأقل ليس بالسرعة التي أرادها السوق، في حين تعتقد «كاتي ستوكتون» المؤسس والشريك الإداري لشركة «فيرليد ستراتيجيز» أن الهبوط الأخير قصير المدى للبيتكوين لا يعني أنها ليست استثمارا جيدا على المدى المتوسط والطويل.
لاتزال «ستوكتون» تبدي تفاؤلها بشأن آفاق البيتكوين، مشيرة إلى زيادة اهتمام المستثمرين بالصناديق المتداولة، ما قد يدعم الطلب على العملة المشفرة.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.