تأملات
رغم صدور قرار من مجلس الأمن الدولى يعتبر الأول من نوعه منذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة منذ ستة أشهر تقريباً إلا أن الشكوك تحيط بأن يكون القرار بداية لانفراجة فى الأوضاع المأساوية فى غزة. يأتى هذا التوقع أيضاً رغم أن القرار حظى وللمرة الأولى أيضاً بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة الراعى الرئيسى لإسرائيل سواء فى حربها على غزة أو غير غزة، الأمر الذى يعكسه امتناعها عن التصويت.
ذلك أن القرار جاء بصيغة مائعة تعكس رغبة فى نوع من التوافق الدولي- يخفى خلافا بين القوى الرئيسية الفاعلة- على رفض مجلس الأمن الذى يعكس ضمير العالم المأساة الإنسانية فى غزة، هو قرار إبراء ذمة دولى من دماء الأبرياء فى غزة، ليس أكثر وذلك رغم ترحيب حماس والسلطة الفلسطينية به وهو أمر لا يملكان سواه، ورغم رفض إسرائيل له إلا أنه لا يعكس من وجهة نظرنا أنه ضدها وهو أمر أشار إليه مسئولون أمريكيون فى معرض تبريرهم امتناع واشنطن عن التصويت ضد القرار.
يشبه القرار من نواح كثيرة ذلك الذى صدر بعد حرب يونيو 67 ويدعو إسرائيل إلى الانسحاب من أراض أو الأراضى العربية التى احتلتها، وما زال الجدل يحيط بتفسير القرار حتى الآن هل يتعلق بأراض أم الأراضى، أى كل الأراضي؟. وإن كان الجدل حول القرار الأممى الجديد لن يستمر طويلا حيث إنه يتعلق بالفترة الخاصة بشهر رمضان الكريم ويستطيع كل طرف أن يفسره وفق هواه، فلحماس أن تشترط وقفا للنار أولاً وهى تتصور أنه لن يتم، ولإسرائيل أن ترى أن ذلك الوقف يرتبط بالإفراج عن الرهائن فى ربط للخطوتين وهو الأمر الذى حرصت الولايات المتحدة على تضمينه فى قرار مجلس الأمن.
من قراءة فى مواقف الطرفين الرئيسيين وهما إسرائيل وحماس وفى ظل ضيق الوقت، فإن القرار قد يكون مصيره كما ذهب المندوب الإسرائيلى بشأن قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة وليس مجلس الأمن بشأن حرب غزة، هو مذبلة التاريخ! حيث يمسك بزمام الأمور فى تل أبيب رئيس حكومة متطرف يستخدم الحرب وسيلة لإطالة بقائه فى منصبه، خشية المساءلة وهو الأمر الذى أوصله إلى نوع من الصدام مع واشنطن التى بدونها لا يمكنه مواصلة الحرب فى غزة.
وفى الوقت ذاته فإن حماس لا تريد أن تضيع حصاد الشهور الخمسة الماضية هدرا ولن تخسر هى أو الشعب الفلسطينى فى غزة أكثر مما خسروا وتحرص على أن يكون الاتفاق شاملا، فليس من المنطقى أن تطلق سراح الرهائن لتبدأ بعدها إسرائيل حرب إبادة جديدة ضد الفلسطينيين وضد قواعد الحركة. إن ذلك فى عرف السياسة ليس سوى انتحار! وهو أمر اكدت عليه إسرائيل بتأكيد عزمها القضاء على الحركة عقب أى عمليات مؤقتة لوقف النار!
الغريب فى الأمر أن الولايات المتحدة تبذل جهودا حثيثة لإنقاذ إسرائيل من نفسها، فالأخيرة، تبدو من خلال سياسات نتنياهو كالثور الهائج الذى لا يدرك مصلحته، فيما تحاول واشنطن وضعه على مسار تحقيق تلك المصلحة ولكن بشكل يقبله المجتمع الدولى. فهى لا ترفض القضاء على حماس بل تؤيده وتسعى لوضع خطط تنفيذ تلك المهمة ولكن بشكل أكثر إتقانا وأقل خسائر لا ينتهى بادانة إسرائيل وتعاطف العالم مع الفلسطينيين وهذا هو سر جهاد بايدن وادارته للسير فى طريق التهدئة.
رغم أن رياح الأحداث قد تأتى بما هو غير متوقع، غير أن سيناريو مراوحة الأزمة مكانها يبدو هو الأرجح إلى ما بعد انتهاء شهر رمضان وقتها ربما تطرح سيناريوهات أخرى على مائدة مساعى إنهاء الحرب!
[email protected]
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.