قال تقرير صادر عن شركة «كامكو إنفست»، إن السندات العالمية وأدوات الدين الحكومية ارتفعت مؤخرا بدعم من توقعات خفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع من المتوقع، وذلك على الرغم من إعراب عدد من الاقتصاديين عن رأيهم بأن السوق متفائل بشكل مفرط.
ويقوم المتداولون الآن بتسعير الضغوط الانكماشية خلال الأشهر القليلة المقبلة بما يتسق مع تسريع وتيرة خفض أسعار الفائدة.
وانعكس ذلك على عائدات سندات الخزانة التي تأرجحت من أعلى مستوياتها المسجلة منذ 16 عاما وصولا إلى أدنى مستوياتها في عدة أشهر، وانخفضت العائدات على سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات من 5.02% في أكتوبر 2023 إلى نحو 4.3% في الأسبوع الثالث من ديسمبر 2023.
كما انخفض العائد على السندات الحكومية الألمانية والانجليزية إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ عدة أشهر، ما يعكس البيانات الأخيرة الخاصة بالتضخم والتي كانت أقل من توقعات السوق.
وقد قام متداولو عقود المبادلة بتسعير خفض سعر الفائدة بنحو ست مرات بمقدار 25 نقطة أساس العام المقبل، وهو ما يراه الكثيرون على أنه اتجاه شديد التيسير.
وكانت تخفيضات البنك المركزي الأوروبي أكثر حدة، إذ يتوقع المتداولون خفض سعر الفائدة بمقدار 162 نقطة أساس العام المقبل على خلفية ضعف البيانات الاقتصادية وتباطؤ وتيرة التضخم.
وتتوقع الأسواق الآن أن يكون البنك المركزي الأوروبي في طليعة البنوك المركزية التي ستتخذ أولى خطوات خفض سعر الفائدة العام المقبل، على الرغم من أن البنك المركزي الأوروبي نفى بشدة هذه التوقعات في بيان صدر مؤخرا.
كما يعمل الاتحاد الأوروبي أيضا على تنفيذ قواعد جديدة على الجبهة المالية تتعلق بانتهاكات عجز الميزانية ونسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي سعيا منه لإعادة موازنة السياسات بوتيرة أكثر اتساقا مع الواقع الاقتصادي الجديد.
ومن المتوقع أن يكون التأثير على اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي إيجابيا إلى حد كبير، حيث من المتوقع الآن أن يكون تباطؤ الاقتصاد العالمي أقل حدة من المتوقع، في ظل تحقيق الهبوط الناعم. هذا إلى جانب انخفاض معدلات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي، من المقرر أن يصب في صالح المنطقة من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي بدعم من أداء القطاع غير النفطي، وخطط المشاريع القوية، وارتفاع أسعار النفط فوق مستوى 70 دولارا للبرميل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن قوة الوضع الائتماني الذي تتميز به معظم دول مجلس التعاون الخليجي في ظل التحسينات الأخيرة التي طرأت هذا العام يسهم أيضا في استقرار العملات الخليجية وسوق تمويل أدوات الدخل الثابت.
وفي السوق الأولية، تجاوزت إصدارات السندات والصكوك في دول مجلس التعاون الخليجي توقعاتنا وتوقعات السوق، حيث شهدنا العديد من الإصدارات الكبيرة خلال النصف الثاني من العام.
وأدت إصدارات الصكوك في السعودية إلى جانب إصدارات السندات في الإمارات خلال النصف الثاني من العام 2023 إلى دفع إجمالي قيمة الإصدارات في دول مجلس التعاون الخليجي ليتخطى أكثر من 100 مليار دولار ليصل إلى 107.8 مليارات دولار كما في منتصف ديسمبر 2023.
وبالمقارنة، بلغ إجمالي إصدارات السندات والصكوك في دول مجلس التعاون الخليجي 90.0 مليار دولار في العام 2022 بأكمله. إلا أنه على الرغم من النمو، ظلت إصدارات دول مجلس التعاون الخليجي أقل بكثير من الإصدارات التي شهدناها خلال السنوات الخمس السابقة (2017-2022) والتي بلغت في المتوسط 136.2 مليار الدولار.
التضخم وارتفاع أسعار الفائدة
أدى تباطؤ التضخم الذي شهدناه على مدار الأشهر القليلة الماضية إلى إحداث تغييرات جذرية لتوقعات المستثمرين والمتداولين لسوق أدوات الدخل الثابت. وكان للاجتماع الأخير لهذا العام دور فعال في تغيير توقعات خفض/ تثبيت أسعار الفائدة للعام 2024.
وتحول الأمر من مجرد توقعات متناثرة تشير إلى رفع سعر الفائدة مرة واحدة أو مرتين في العام 2024 خلال النصف الأخير من العام 2024 قبل بضعة أشهر فقط، إلى ظهور توقعات الاجماع التي تشير إلى خفضها بما لا يقل عن 150 نقطة أساس على الأقل خلال العام 2024.
كما يرى بعض الاقتصاديين أيضا اجراء تخفيضات مبكرة في الولايات المتحدة مقابل التوقعات السابقة التي كانت تشير إلى خفض سعر الفائدة في النصف الثاني من العام 2024.
وفي اجتماعه الأخير، أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على أسعار الفائدة دون تغيير في نطاق 5.25 – 5.5% بعد رفعها بوتيرة ثابتة حتى يوليو 2023. وكانت الأسواق تتوقع تثبيت سعر الفائدة في ظل توقعات هدوء وتيرة التضخم على المدى القريب وتوقعات أن يظل النمو الاقتصادي ضعيفا. وجاءت القراءة الأخيرة لمعدل التضخم الكلي مسجلة نموا بنسبة 3.1% على أساس سنوي في نوفمبر 2023 بعد أن أظهرت انخفاضا تدريجيا منذ بداية العام. وباستثناء أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 0.3% مقارنة بالشهر السابق وبنسبة 4% على أساس سنوي. وارتفعت أسعار مجموعة واسعة من السلع والخدمات بوتيرة أعلى في نوفمبر 2023، إلا انها جاءت متوافقة مع التوقعات.
أما على صعيد التوقعات المستقبلية، يتوقع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أن ينخفض التضخم إلى 2.4% في العام 2024، فيما يعد أقل من توقعاته السابقة البالغة 2.6%. كما يتوقع الاحتياطي الفيدرالي أن ينخفض مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي إلى 2.2% بحلول العام 2025 (مقابل التوقعات السابقة البالغة 2.3 %) وأن يصل أخيرا إلى مستوى 2.0% المستهدف في العام 2026.
ومن المتوقع أن تشهد دول مجلس التعاون الخليجي مستويات عالية من أدوات الدخل الثابت مستحقة السداد على مدار السنوات الخمس المقبلة.
ووفقا لبيانات الصادرة عن وكالة بلومبيرغ، تصل قيمة أدوات الدين السيادية لدول مجلس التعاون الخليجي مستحقة السداد على مدار السنوات الخمس المقبلة (2024-2028) 209.3 مليار دولار، في حين أن آجل استحقاق أدوات الدين الخاصة بالشركات أقل بكثير عند مستوى 177.9 مليار دولار. ومن المتوقع أن تظل آجال استحقاق السندات والصكوك مرتفعة بدءا من العام 2024 حتى العام 2028 ثم تتناقص تدريجيا خلال الفترة المتبقية.
وتعكس آجال الاستحقاق المرتفعة خلال السنوات الخمس المقبلة عددا من الإصدارات قصيرة الأجل (أقل من 5 سنوات) تم إصدارها في عامي 2020 و2021، نظرا لجمع الحكومات الأموال لموازنة العجز خلال الجائحة.
ومعظم تلك الاستحقاقات مقومة بالدولار الأميركي بنسبة 59.7%، تليها الإصدارات بالعملة المحلية بالريال السعودي والريال القطري بنسبة 16.3% و7.6% على التوالي. بالإضافة إلى ذلك، فإنه نظرا لمستويات التصنيف الائتماني لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي، فإن أغلبية هذه الاستحقاقات تتميز بأنها من درجة استثمارية عالية، أو أدوات مصنفة من الفئة (أ).
أما فيما يتعلق بنوعية أدوات الدين، فتأتي السندات التقليدية في الصدارة، إذ تمثل القيمة مستحقة السداد خلال السنوات الخمس المقبلة نحو 244.3 مليار دولار، في حين يتوقع أن تصل قيمة الصكوك مستحقة السداد إلى 142.9 مليار دولار.
وفيما يتعلق بآجال الاستحقاق وفقا لكل دولة على حدة، تأتي السعودية في الصدارة من حيث أكبر قيمة أدوات دين مستحقة السداد خلال الفترة الممتدة ما بين عامي 2024-2028. ومن المتوقع أن تشهد المملكة استحقاق سداد 131.9 مليار دولار من أدوات الدخل الثابت حتى العام 2028 تليها جهات الإصدار الإماراتية والقطرية بقيمة 122.5 مليار دولار و71.4 مليار دولار، على التوالي.
اما الكويت، فتتميز بأصغر قيمة لأدوات الدين مستحقة السداد خلال الخمس سنوات القادمة بقيمة 14.1 مليار دولار على خلفية قلة الإصدارات الحكومية.
آجال استحقاق السندات والصكوك
وعلى الصعيد القطاعي، تصل قيمة أدوات الدين مستحقة السداد على قطاع البنوك والخدمات المالية 130.9 مليار دولار على مدار السنوات الخمس المقبلة مما يمثل نحو 73.6% من إجمالي قيمة أدوات الدين مستحقة السداد على الشركات و33.8% من إجمالي المبالغ مستحقة السداد في دول مجلس التعاون الخليجي حتى العام 2028، على التوالي.
تبعه قطاع الطاقة ببلوغ قيمة أدوات الدين مستحقة السداد إلى 17.9 مليار دولار أو ما يعادل نسبة 10.0% من إجمالي الاستحقاقات على الشركات الخليجية حتى العام 2028، ثم قطاع المرافق العامة وقطاع الاتصالات بقيمة 11.4 مليار دولار أميركي و6.1 مليارات دولار، على التوالي. وتستحوذ البنوك العاملة في الإمارات على أكبر قيمة أدوات مستحقة السداد على مدى السنوات الخمس المقبلة بقيمة 60.2 مليار دولار، تليها البنوك القطرية بنحو 26.3 مليار دولار.
واستحوذت البنوك العاملة في الدولتين على نسبة 22.3% من إجمالي قيمة السندات والصكوك مستحقة السداد على مدى السنوات الخمس المقبلة في دول مجلس التعاون الخليجي. كما تتركز معظم أدوات الدين الخاصة بالقطاع العقاري مستحقة السداد حتى العام 2028 بصفة رئيسية في الإمارات والسعودية بقيمة 6.3 مليارات دولار و2.9 مليار دولار، على التوالي. وشهد هيكل استحقاقات الأوراق المالية الدائمة نموا بوتيرة ثابتة حتى العام 2022. إلا أن العام 2023 شهد انخفاضا حادا في إصدارات الأوراق المالية الدائمة. ووفقا للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج، انخفض إجمالي الإصدارات من 11.5 مليار دولار في العام 2023 إلى 2.0 مليار دولار فقط في العام 2023.
إصدارات العام 2023
بلغ إجمالي قيمة الإصدارات الخليجية 107.8 مليارات دولار خلال الفترة الممتدة من 1 يناير 2023 حتى الأسبوع الثالث من ديسمبر 2023 مقابل 90.0 مليار دولار في العام 2022، مما أدى إلى تسجيل نموا قدره 17.8 مليار دولار أو ما يعادل نحو 19.7%. ويعزى النمو بصفة رئيسية إلى تزايد إصدارات الشركات التي ارتفعت من 40.5 مليار دولار في العام 2022 إلى 66.2 مليار دولار في العام 2023.
من جهة أخرى، انخفضت قيمة الإصدارات الحكومية بنسبة 15.9% أو بنحو 7.9 مليارات دولار في العام 2023 لتصل إلى 41.6 مليار دولار مقابل 49.5 مليار دولار في العام 2022. أما من حيث نوعية الإصدارات، شهدت إصدارات السندات والصكوك نموا خلال العام. وارتفع إجمالي قيمة إصدارات السندات الخليجية بنسبة 43.7% أو بنحو 17.6 مليار دولار ليصل إلى 58.0 مليار دولار مقابل 40.4 مليار دولار في العام 2022. من جهة أخرى، شهدت إصدارات الصكوك نموا هامشيا خلال العام لتصل قيمتها إلى 49.8 مليار دولار.
وعلى مستوى كل دولة على حدة، تراجعت اصدارات الكويت وقطر وعمان في العام 2023 مقارنة بالعام 2022، في حين شهدت بقية دول مجلس التعاون الخليجي نموا. وسجلت الجهات المصدرة لأدوات الدخل الثابت في الإمارات أعلى معدل نمو بالقيمة المطلقة هذا العام بنمو قدره 18.4 مليار دولار أو بنسبة 77.4% لتصل قيمتها إلى 42.2 مليار دولار. وسجلت السعودية نموا هامشيا قدره 0.8 مليار دولار أو بنسبة 1.5%، إلا انها ظلت أكبر جهة مصدرة لأدوات الدين هذا العام، إذ وصل إجمالي إصدارات السندات والصكوك إلى 52.1 مليار دولار في العام 2023.
توقعات أسعار الفائدة
تشير تقديرات الإجماع الخاصة بأسعار الفائدة إلى قيام البنوك المركزية الكبرى بخفضها في كافة أنحاء العالم خلال العام 2024 بما يتراوح ما بين أكثر من 200 نقطة أساس إلى 50 نقطة أساس. ووفقا لتقديرات وكالة بلومبيرغ، من المتوقع أن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 156 نقطة أساس، ومن المتوقع أن تصل أسعار الفائدة بنهاية العام إلى 3.82%. كما يتوقع أن تقوم منطقة اليورو بإجراء تخفيضات أكثر حدة لأسعار الفائدة العام المقبل، حيث ستخفض أسعار الفائدة بمقدار 219 نقطة أساس لتصل بنهاية العام إلى 2.31%.
وبالمثل، من المتوقع أن تخفض المملكة المتحدة وكندا ونيوزيلندا أسعار الفائدة بنحو 100 نقطة أساس العام المقبل. أما بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، قمنا بتوقع سيناريو أسعار الفائدة وفقا لخطوات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في خفض سعر الفائدة.
ونتيجة لذلك، فإن معظم البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي ستخفض أسعار الفائدة بما يتسق مع تحركات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي نظرا لربط العملات الخليجية بالدولار الأميركي. إلا ان الكويت تربط عملتها بسلة من العملات الرئيسية.
وعلى هذا النحو، توقعنا أن يقوم بنك الكويت المركزي بخفض سعر الخصم بمقدار 100 نقطة أساس، مما يعد أقل من التخفيضات التي ستجريها بقية دول مجلس التعاون الخليجي وذلك نظرا لقيام الكويت برفع سعر الفائدة بأقل وتيرة تراكمية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي منذ العام 2022 (275 نقطة أساس) ومنذ بداية العام (75 نقطة أساس) ونرى أن خفضها سيكون بمعدلات أقل من بقية دول مجلس التعاون الخليجي.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.