- رحلة بصرية فنية ممتعة وراءها شغف وجهد فريق من المبدعين
ياسر العيلة
ما إن فتحت ستائر المسرح الوطني بمركز جابر الأحمد الثقافي على العرض الموسيقي الاستعراضي المبهر «قريش» حتى عاش الجمهور الكبير الذي شاهد العرض حالة من «النوستالجيا الرمضانية» الجميلة التي أعادتهم بالذاكرة إلى حقبة تلفزيونية ذهبية شهدتها الكويت في الماضي من خلال عرض أخذ الجمهور في رحلة بصرية ممتعة وعاد بهم إلى أزمنة من الماضي الفني الرمضاني الكويتي والعربي، حيث الأعمال الرمضانية الخالدة في الذاكرة، والعمل من إنتاج شركة الجابرية الحرة بوجود الرئيس التنفيذي للشركة علي النصف.
كل الأجواء خارج المسرح غلب عليها الطابع الرمضاني بشكل لافت بداية من أن أكثر الحضور من النساء ارتدين الدراعة التراثية، والرجال ارتدوا «الغترة والدشداشة»، وكانت هذه اشتراطات القائمين على الحفل حتى يتماشى ذلك مع فكرة الحفل، وتم استقبال الحضور خارج المسرح باللقيمات والقهوة العربية والمشروبات الرمضانية الشهيرة، كل هذه الأمور أدخلت الجمهور في أجواء الشهر الكريم.
وبدأ الحفل الذي اعتمد فيه مخرجه وصاحب فكرته المخرج فهد الرحماني في تجربته الأولى في الإخراج المسرحي على إنعاش ذاكرة الجمهور من خلال محتوى بصري يمزج بين مقاطع فيديو من برامج وأعمال درامية وغنائية قدمها تلفزيون الكويت في فترة الثمانينيات والتسعينيات شكلت وجدان المشاهدين واختياره لمجموعة أغان رمضانية شهيرة وظفها في أحداث قصة العرض بشكل احترافي عكست جوانب من ثقافتنا الفنية في شهر رمضان، بالإضافة إلى تقديمه للطقوس والعادات الرمضانية الكويتية التي تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل بشكل شائق.
والعمل كان عبارة عن لوحات غنائية استعراضية، بدأت اللوحة الأولى بليلة الرؤية بصوت الراحل د.صالح العجيري تخللها مشهد تمثيلي على أنغام مقاطع من أغاني «صلوا على أحمد، وعادت عليكم، ورمضان جانا»، وعقب ذلك تم تقسيم العرض لفقرات، منها نهار رمضان الذي احتوى على أغاني «طلعت يا محلا نورها» وموسيقى حكاية الشاطر حسن وميدلي من أشهر الأعمال الكارتونية القديمة، ثم انتقل العرض بالجمهور إلى الأعمال التي كانت تعرض في فترة العصر من خلال عرض مشاهد تمثيلية بمصاحبة عرض مشاهد لعدد من أشهر المسلسلات التي كانت تقدم في هذه الفترة، مثل القرار الأخير، ودروب الشك، وغصات الحنين، وأبلة منيرة، ثم عرض لأهم الأعمال التي كانت تعرض قبل أذان المغرب، مثل برامج الطبخ، حيث تم تقديم أغنية المطبخ بشكل ممتع بحيث تم استبدال كلمات أغان شهيرة بكلمات خاصة بالطبخ، منها أغنية «بتونس بيك» للراحلة وردة الجزائرية والتي تفاعل معها الحضور بشكل كبير وكانت من كلمات فهد الرحماني الذي يبدو انه يملك حسا كوميديا رائعا في مجال الكتابة، بل شارك أيضا في لحن الأغنية مع الموهوبة حصة الحميضي، وبخلاف أغنية المطبخ كانت هناك فقرات عن برنامج «العلم والإيمان» للراحل د.مصطفى محمود، كما ركز العمل على الأعمال الخيرية التي قامت بها الكويت وتصدرت المشهد الإنساني سواء على المستوى الرسمي أو المؤسسات الخيرية أو على المستوى الفردي من خلال استعراض بعض هذه المواقف مع عزف موسيقي، واختتم الجزء الأول من الحفل بفقرة من البرنامج الشهير «فكر واربح»، حيث تجول المذيع النجم طلال الماجد بين جمهور الحفل لتقديم مجموعة من الأسئلة لهم وتوزيع جوائز للفائزين منهم من قبل راعي الحفل «بنك برقان»، وللحقيقة أضفى الماجد أجواء من البهجة والمرح بخفة دمه وتعليقاته الطريفة استحق عليها تصفيق الجمهور له.
وعقب الاستراحة بدأ الجزء الثاني من الحفل وتناول الأعمال التي كانت تعرض من خلال التلفزيون بعد الإفطار مباشرة من خلال تقديم ميدلي من المسلسلات التراثية مثل «بدر الزمان، وعلاء الدين، ومدينة الرياح»، التي تفاعل معها الحضور بحماس شديد، وعقب ذلك تم تقديم نماذج من أبرز الأعمال الخاصة بفترة المساء والسهرة، منها ميدلي للفوازير المصرية لسمير غانم وشريهان وميدلي للفوازير الكويتية وأمثال وغطاوي، ومن بعدها عرض مشاهد من الأعمال الكوميدية الكويتية مثل «عماكور، وقرقيعان، وداووديات»، وأغنية «طار في الهوى شاشي» من أوبريت الليلة الكبيرة، بالإضافة إلى مشاهد من الأعمال الدرامية المصرية التي لها مكانة في ذاكرة ووجدان الجمهور الكويتي، مثل مسلسلات «لن أعيش في جلباب أبي، و«المال والبنون»، و«بكيزة وزغلول»، وعقب ذلك وفي الجزء الأخير من السهرة قدمت أغنية «العيد هل هلاله»، تلتها أغنية استعدادات العيد، واختتم الحفل بأغنية «مرحبا بالعيد»، ليسدل الستار على حفل استثنائي بفكرته وتنفيذه شارك فيه مجموعة من المبدعين منهم كما ذكرت المخرج فهد الرحماني والمنتجة الإبداعية مريم الخترش ومخرجة الموسيقى حصة الحميضي والفرقة الموسيقية بقيادة المبدع المايسترو الأنيق أحمد العود وكل أعضاء فرقته الموسيقية، بالإضافة إلى الكورال، كانوا جميعا مميزين لأبعد مدى ويجب ألا نغفل الدور الكبير الذي لعبه الديكور لمحمد الملا وتصميم الفيديوهات داخل العرض للمخرج أحمد بودهام، والأزياء التي اختيرت بشكل مدروس لتحاكي ملامح رمضان في الكويت، لاسيما في الثمانينيات والتسعينيات من خلال عادل الأسعد، كما كان للإضاءة دور كبير في نجاح العمل من قبل جوليان يمين.
في النهاية «قريش» كان بمنزلة رحلة ممتعة تجول فيها الحضور عبر ذكريات رمضانية جميلة لا تنسى ولا تموت، بل تنبض فرحا داخل قلوبنا.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.