زها حديد عبقرية العمارة العالمية


«تخيل هذا المنظر: امرأة تخطو بفستانها العريض المطرز بأشكال متعانقة وترتقي المنصة وتتحدث بتواضع عن مهنتها غير المنظورة. وعندما تغادر ينتشلها الحرس من حشود المصورين والمعجبين الذين يطلبون توقيعها ويسرعون بها خارج المكان». «من هذه المرأة؟ أهي أميرة؟ أم نجمة موسيقى؟.. لا إنها مهندسة معمارية».

بهذا الوصف لخصت صحيفة الغارديان البريطانية شعبية المهندسة البريطانية العراقية الأصل «زها حديد» التي اصبحت وفق اعتراف صحيفة النيويورك تايمز الاميركية «أحد أكثر الأشخاص نفوذا في العالم المنيع للعمارة العالمية» كما وصفت مشروع مركز روزنتال للفنون في ولاية اوهايو بأنه «أهم مبنى جديد في اميركا منذ الحرب الباردة وكان المشروع أول متحف يبنى في الولايات المتحدة من تصميم امرأة».

المرأة الأولى

حققت زها حديد لنفسها موقعا متميزا في العمارة العالمية برؤيتها التقدمية لعلاقة العمارة بالناس واصبحت المرأة الأولى في التاريخ الحديث التي قفز اسمها الى مصاف عباقرة العمارة العالمية في العالم، وتحمست لها الاجيال الجديدة من المعماريين حول العالم لأنها بقيت، رغم انهيار مدارس الحداثة المعمارية تطور قيما معمارية تجمع بين الايمان المتحمس بالتكنولوجيا والتغيير الاجتماعي. ورفعت المهندسة العربية راية الامل في مواجهة التصورات السائدة حول موت فن العمارة، وانتقدت الخوف من سرعة الحياة العصرية وخشية التغير الدائم في اساليب العيش.

وعلى العكس من ذلك، اعتبرت كل هذا فرصا لتحقيق ما تسميه «البهجة التي اوجدتها التكنولوجيا الحديثة». وهي تقول: «عند التطلع إلى اي مدينة فالمسألة ليست كيف نصنع مشاريع معمارية مغامرة، بل كيف يمكن تصميم شيء متميز وبهيج».

الغرق في الحلم

تتمتع بشيء سحري يدفع المشاهد الى الغرق في الحلم، فأفكار مشاريعها صادمة وحالمة في الوقت نفسه، حيث عرفت بتصميماتها التي تنزع الى الخيال والمثالية، وصنفها البعض بأنها غير صالحة للتنفيذ، وخصوصا ان ابنيتها تقوم على دعامات عجيبة ومائلة.إلا أن التنفيذ اتى ليدحض الآراء المعترضة ولتنتزع عن تلك المشاريع جوائز عديدة.

المرأة الحديدية

هي امرأة من الشرق طافت بتصاميمها انحاء المعمورة وارخت على كل مشروع لها ظلالا من الغرائبية الجميلة التي تدهش ناظريها وتحملهم على التفكير والتحليل بروعة التصاميم، حاكت قصة نجاحها بيديها فقفز اسمها إلى مصاف كبار المصممين العالميين ولتتحول إلى امرأة من حديد ابت ان تلين لمحاولات رفض تنفيذ مشاريعها واعتبرت ان النجاح يحتاج لقدر فظيع من الثقة.

من رائدات المدرسة اللاانتظامية القائمة على التفكيك والتي تدعو إلى انعدام التوازي والتقابل في الخطوط والاشكال من اجل تحقيق اشكال درامية بل فنية وعندما سئلت عن تصاميمها المعمارية التي تتجاهل قوانين الجاذبية اجابت «الناس يقولون لي دائما ما الخطأ في الزاوية القائمة 90 درجة؟ وأنا أقول: هناك 360 درجة للزوايا، والزاوية 90 درجة ليست سوى واحدة منها، ويبقى لدينا 359 خيارا».

أقوى النساء

دخلت قائمة أقوى الشخصيات في بريطانيا عام 2008 وحلت في المركز العاشر الا انها رغم ذلك عرفت بأنها المهندسة البريطانية التي لا تسمح لها بريطانيا بالبناء في أراضيها وصدر كتاب عام 98 بعنوان «يانصيب الأوبرا» اجاب عن السؤال وعرض الاسرار السياسية وراء حرمان زها من ثمار فوزها أربع مرات على ابرز المعماريين البريطانيين والعالميين، مؤلف الكتاب اللورد كريكهاول رئيس لجنة التحكيم في مسابقة بناء دار الأوبرا في كارديف التي حرمتها من تنفيذ تصميمها.

ويعترف كريكهاول بأن اللجنة فرضت على زها في اغرب قرار معماري ان تجري تعديلا على التصميم الذي فازت به ويعاد طرحه للمسابقة مرة أخرى. وفازت للمرة الثانية، مع ذلك منحت دار الأوبرا لمعماري محلي استنسخ تصميم زها. وعرض الكتاب تفاصيل هذه الفضيحة الدولية والمناورات التي ساهم فيها سياسيون ومعماريون يحملون لقب سير.

تحتل اعمالها أغلفة المجلات المعمارية الدولية وتحولت بنايات شيدتها، مثل دائرة مكافحة الحريق في مصنع على ضفاف الراين في المانيا ومطعم «منسون» في اليابان ومجمعات سكنية في دوسلدورف وبرلين وفيينا الى معالم سياحية معمارية.

مثالها الأعلى

شخصية قوية لا تضاهيها الا قوة طموحها، تأثرت بأعمال اوسكار نيمايير فإبداعه وإحساسه بالمساحة كلها عناصر ميزته عندها وجعلته لا يعلى عليه، فأعماله الهمتها وشجعتها على الابداع بأسلوبها الخاص مقتدية ببحثه عن الانسيابية في كل الاشكال.

الكفاح الطويل

طريق نجاحها لم يكن مفروشا بالورود بل كان نتاج كفاح طويل جدا، فهي مدمنة عمل توصل الليل بالنهار في سبيل إرضاء طموحها الذي يحتاج دائما للمثابرة والارادة، ومع انها عربية الا انها لم تترب بالمفهوم العربي التقليدي بحسب رأيها، إذ لم تقطن في بلد عربي منذ اكثر من ثلاثين عاما.

فضولية ودائمة التفكير فيما ستنجز بعد انتهائها من اي مشروع وتتطلع دائما لأن يكون عملها اللاحق خطوة اكبر من التي نفذتها، وتقول اتمنى لو تتاح لي فرصة بناء حي حضري كامل أوظف فيه كل ما تعلمته عن تصميم الاماكن العامة المغلقة والمفتوحة على مستوى ضخم، ولا تقصد تصميم بنايات وبيوت فقط، بل ايضا مطاعم وفنادق.

أحب أعمالها

أحب أعمالها إلى قلبها مركز دي فانو العلمي بوولفسبورغ، لأنه كان اكثر المشاريع التي أنجزتها طموحا، وهو مثال حي على البحث الدائم عن ديناميكية معقدة وفضاءات منسابة، فهذا المشروع جمع بين الكلاسيكي والتعقيد الهندسي وفي الوقت ذاته التصميم الجريء واعتماد المواد الأصلية، كما ان الكثير من الجهد والوقت استثمر في هذا المشروع حتى اتى بالنتيجة المطلوبة.

القدرة على الابداع عندها لا تتوقف عند امر معين حيث تعمل ايضا على تصميم قطع الاثاث وترى فيه نموذجا آخر للإبداع.

الفن والهندسة والموضة عندها، كلها اشكال وجدت للاستعمال ومن اجل المستهلك، وبالتالي فإنها كلها تهتم بمنحه السعادة وتحسين كل مناحي حياته، الحياة العصرية تتغير، والموضة والهندسة ايضا تتطوران حسب هذا التغير وتعتقد ان الجديد لدى جيلنا هو نسبة التعقيد الاجتماعي، الأمر الذي بات ينعكس على المعمار والموضة معا فلم تعد هناك وصفة بسيطة او صيغة غير معقدة، كما ليست هناك حلول كونية. فالفكرة هي البدء بأفكار تقليدية في التصميم على أن تصل لمستوى جديد ويصبغ عليها العصرية والغرابة.

الأهوار

تسترجع شريط ذكرياتها في بغداد فتقول لاازال اتذكر وانا طفلة لا يتعدى عمرها السادسة ان والداي اصطحباني الى معرض خاص بفرانك لويد رايت في دار الاوبرا في بغداد واذكر انني انبهرت حينها بالاشكال والاشياء التي شاهدتها، فقد كان والداي شغوفين بالمعمار، لكن من بعيد كما اذكر اجازاتنا في منطقة الاهوار، جنوب العراق، التي كنا نسافر إليها عبر مركب صغير، كنت انبهر بطبيعتها، وخصوصا بانسياب الرمل والماء والحياة البرية التي تمتد على مرمى العين، فتضم كل شيء حتى البنايات والناس، اعتقد ان هذا العنصر المستوحى من الطبيعة وتمازجها مع العالم الحضري، ينسحب على اعمالي، فأنا احاول دائما التقاط الانسيابية في سياق حضري عصري، وحين درست الرياضيات في بيروت، ادركت ان ثمة علاقة تربط بين المنطق الرياضي والمعمار والفكر التجريدي.

رحلة الحياة

هي ابنة السياسي العراقي المعروف محمد حديد (الموصل 1906- لندن 1998)، الذي اشتهر بتسيير اقتصاد العراق في 1958-1963 ولدت في بغداد عام 1950 وانهت الثانوية فيها ثم دراستها الاولية في الجامعة الاميركية في بيروت 1971 ثم التحقت بالدراسة في بريطانيا تحت اشراف «الكولهاس» وتدربت في الجمعية البريطانية للعمارة «aa» ثم عملت في بريطانيا بعد تخرجها عام 1977 مع «مكتب عمارة الميتروبوليتان» بالتوازي مع عملها كمعيدة في كلية العمارة والتي خلالها التقت تيار «التفكيكية» المعماري الذي اشتهرت به بعد ذلك، ثم انفصلت بعد حين لتعمل بمفردها ابتداء من العام 1987، وتسنى لها ان تحصل على شهادات تقديرية من اساطين العمارة مثل الياباني كانزو تانك وانتظمت كأستاذة زائرة او استاذة كرسي في عدة جامعات في اوروبا واميركا منها هارفارد وشيكاغو وهامبورغ واوهايو وكولومبيا ونيويورك.

ومن تصاميمها نادي الذروة، كولون، هونغ كونغ (1982-1983 مشروع مسابقة)، وتنفيذها لنادي مونسون بار في سابورو اليابان 1988-1989 وكذلك محطة اطفاء فيترا ويل ام رين 1991-1993، ودار اوبرا كارديف في بريطانيا 1993-1995 (مشروع مسابقة) ومجموعة من اعمال اخرى تتضمن توسعات في مجمع البرلمان الهولندي في لاهاي 1978-1979، واسكان (ابا iba) برلين 1983، وبنايات لمكاتب إدارية متعددة، وقاعات معارض ومشروع لتطوير المساكن، ومن اكثر مشاريعها غرابة وإثارة للجدل مرسى السفن في باليرمو في صقلية 1999 والمركز العلمي لمدينة وولفسبورغ الالمانية 1999 وكذلك المسجد الكبير في ستراسبورغ 2000 ومنصة التزحلق الثلجي في انزبروك 2001 وفي المنطقة العربية متحف الفنون الاسلامية في الدوحة وجسر في ابوظبي وغيرها العديد من المشاريع التي حملت بصمات زها حديد .

أبرز مشاريعها العالمية

أبرز مشاريعها: مرسى السفن في باليرمو، والمركز العلمي لمدينة وولفسبورغ الالمانية، وكذلك المسجد الكبير في ستراسبورغ، ومنصة التزحلق الثلجي في النمسا ومسابقة التصميم الاساسي لمشروع «ون نورث» في سنغافورة وفازت بمسابقة تصميم كازينو مدينة بازل في سويسرا وصممت المبنى المركزي في مجمع شركة بي ام دبليو في المانيا ومحطة القطار السريع في افراغولا في ايطاليا ومركز الترام الهوائي في اينيزبروك في النمسا، وصممت متحف الفنون الاسلامية في الدوحة، ودار الأوبرا في كانتون (الصين)، والمركز الوطني للفن المعاصر في روما (ماكسي)، والجسر في أبوظبي الذي أقيم على ساحل الخليج ما بين أرض دولة الإمارات العربية وعاصمتها ابوظبي.

كما فازت زها بجائزة «بريتزكر» للمعمار، وهي الجائزة التي توصف عادة بأنها «نوبل» المعمار. وهي المرة الأولى في تاريخ هذه الجائزة، التي انشئت قبل خمسة وعشرين عاما ، التي تمنح فيها لامرأة، وهي ثالث معماري بريطاني يفوز بهذه الجائزة واصغر فائز بها منذ انشائها.

لا للكمبيوتر

لا تستخدم زها حديد الكمبيوتر في اعمالها ولكنها تضع نماذج من الكرتون لتجسيمها ودراسة علاقتها مع البيئة المحيطة. وكذلك لا تقرأ مجلات التصميم والهندسة وتعشق الموسيقى الكلاسيكية، وحكمتها في الحياة «الأفكار العظيمة لا تسقط ابدا» في تدليل على إيمانها بأفكارها وتشبثها بها امام رياح الانتقادات التي تطولها.


اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading