دموع وأوجاع على ضفاف النيل..
الأهالى يروون المأساة ويطالبون بمحاسبة المقصرين: «دم بناتنا مش هيروح هدر»
بحثًا عن لقمة العيش ومساعدة أسرهم، تخلي عدة فتيات عن طفولتهن وقررن الخروج للعمل فى أحد مصانع تصدير الفاكهة بالجيزة، رغم سكن تلك الفتيات فى مركز أشمون بالمنوفية، لكن الانتقال من محافظة إلى أخرى لم يكن عائقا أمامهن بعد أن قررن تحمل تلك المسئولية الصعبة فى تلك السن الصغيرة.
فجر الثلاثاء الماضى تجمع نحو 26 فتاة تتراوح أعمارهن بين 14 و17 عاما بينهن اثنتان فقط تجاوزتا سن الأربعين، داخل ميكروباص خصص لهن ليكون وسيلة انتقالهن من بلدتهن فى محافظة المنوفية إلى مكان عملهن فى محافظة الجيزة.
لم يكن يوم الثلاثاء الماضى يوما عاديا على عائلات تلك الفتيات، فقد ابتلع النيل 17 منهن ونجا 9 آخريات بعناية إلهية، نتيجة سقوط الميكروباص الذى يقلهن فى مياه النيل بالرياح البحيرى، أثناء طريقهن للوصول للعمل.
رحلة العمل كما سردها أهالى المنوفية تبدأ يوميا فى الخامسة فجرا، حين يستيقظ الفتيات ويخرجن من منازلهن فى السادسة صباحا قاصدات سيارة ميكروباص تقلهن عبر معدية أبو غالب من محافظة المنوفية إلى محافظة الجيزة، للعمل فى مصنع تصدير الفاكهة.
عم الضحية جنى: كانت لسه رايحة أول يوم شغل
وقال عم الضحية جنى عبدالله محمد أحمد 14 سنة: إن ابنة شقيقه أنهت امتحانات الصف الثانى الإعدادى وطلبت من والدها السماح لها بالعمل برفقة عدد من زميلاتها لمساعدته فى نفقات المنزل والحصول على نفقات شخصية لها فوافق والدها رغم اعتراضه فى بادئ الأمر.
وأكد عم الفتاة أن ابنة شقيقه فقدت حياتها فى أول يوم عمل «كانت لسه أول يوم رايحة»، وفوجئوا جميعا بتداول أخبار غرق السيارة، فهرولوا إلى مكان الحادث وعثروا على ابنتهم فى ثلاجة المستشفى.
وأوضح عم الفتاة أن والدها موظف بوزارة التموين، ولها شقيقتان إحداهما فى الثانوية والأخرى طفلة فى الصف الثانى الابتدائى.
شقيق فتاة: عايزين حقها دى كانت غلبانة
وقال شقيق إحدى الضحايا إن شقيقته تخرج يوميا للبحث عن لقمة العيش حيث تعمل فى جمع وتعبئة الفاكهة مقابل 120 جنيهًا يوميا تساعدها فى نفقة أسرتها، وقال: «عايزين حقها وحق اللى ماتوا»، أرواح بناتنا مش هتروح هدر.
محمود عبدالنبى على، أحد أقارب ضحايا غرق «معدية أبو غالب»، يقول إن عائلته فقدت بنتين فى تلك الواقعة المأساوية هما وفاء هانى عبدالنبى، طالبة فى الصف الاول الإعدادى، وابنة عمها روضة هشام عبدالنبى، فى الصف السادس الابتدائى، وأضاف أنهم عثروا على «روضة» فور وصولهم «خرجت من الميه ميتة».
وتابع أنهم تعرفوا على روضة فور عرضها عليهم ”عرفناها من وشها، وأشار إلى أن وفاء ظلت تحت المياه لأكثر من 20 ساعة حتى عثروا عليها، موضحا أن فاجعة العائلة كبيرة بفقدان الفتاتين.
والد يسرا: صلت الفجر وخرجت.. وودعتها من البلكونة
فى حالة يرثى لها جلس الحاج محمد عبد الغنى والد الفتاة «يسرا» إحدى ضحايا الميكروباص المنكوب، وقال إن ابنته أنهت امتحانات الصف الاول الثانوى الأزهرى طلبت منه أن ترافق زميلاتها فى الذهاب للعمل بإحدى مصانع تغليف الفاكهة، لمساعدته فى الإنفاق، ورفع الأعباء عن كاهله «قالتلى عايزه أنزل أشتغل وأساعدك».
وتابع والد الفتاة أنه وافق على طلبها بعد أن اطمأن عليها وأنها ستكون برفقة زميلاتها، وبالفعل توجهت للعمل منذ أسبوع تقريبا.
وأكد الأب المكلوم على ابنته أن يوم الثلاثاء المشئوم استيقظت ابنته فى الخامسة فجرا، وبعد صلاة الفجر حملت حقيبتها التى وضعت بداخلها زحاجة مياه وساندوتشين، ووقف للنظر إليها من بلكونة الشقة وكأنه يودعها، وفى الثامنة والنصف تردد خبر بين أبناء البلدة فى مدينة «سنتريس» بسقوط سيارة فى المياه، فهرول رفقة والدتها للاطمئنان عليها.
وأضاف أنه حاول التواصل معها عبر هاتفها لكنها لم تجب على اتصالاته، وعند وصوله للمعدية وتيقنه من خبر وفاتها جلس يدعى بأن تكون ابنته داخل السيارة المنكوبة وألا يكون جرفها التيار بعيدا، وعند استخراج السيارة من المياه بالفعل استجاب الله لدعائه وكانت ابنته بداخلها، وأنه رافق سيارة الإسعاف حتى وصلت لمستشفى المناشى ووضعها داخل الثلاجة.
وأكد الأب أن يسرا كانت ابنته الكبيرة فكانت أول فرحته، وتتمتع بطيبة وحنية عليه ووالدتها: «كانت حنينة عليا أنا وأمها وأخواتها».
وذكر أن شقيقها فى حالة حزن شديدة لفقدان أخته، وأوضح أنها رغم قصر مدة عملها فى مصنع الفاكهة إلا أنهم كانوا يحبونها وأسندوا إليها مهمة مراقبة الميزان لثقتهم بها، وباقى زميلاتها كن يعملن فى التغليف، ودائما كانت ما تشكر فى السائق وتثنى على حسن معاملته لهن ونصحه.
زوج الحاجة تهانى: فقدت نصى التانى.. وشقيقها: كانت تكافح لتربية أبنائها الـ6
كعادته كل صباح استيقظ الحاج سعيد لصلاة الفجر، وبصحبته زوجته السيدة الخمسينة التى أدت فريضة الله وجهزت نفسها، للتوجه إلى عملها فى محطة فرز الفاكهة بمحافظة الجيزة، كما اعتادت منذ قرابة العام، بعد أن قررت مساعدة الزوج فى نفقات المنزل.
لم يكن يعلم الحاج سعيد أن ذلك الصباح بحضور زوجته ورفيقة الدرب لن يتكرر، وأنه سيفقد من شاركته لقمة العيش منذ قرابة الـ30 عاما، فبعد أن توجه لعمله وصله الخبر الحزين الذى أفقده تمالك أعصابه وكأن قلبه شعر بأن زوجته إحدى الضحايا «فقدت نصى التانى».
وقال شقيق الحاجة تهانى، إن شقيقته توجهت من القرية مع جميع الضحايا قبل أن يأتيهم خبر الحادث بسقوط السيارة من أعلى معدية أبو غالب، مشيرا إلى أن شقيقته كانت تسعى وتعمل من أجل تربية أبنائها الـ6 وتكافح من أجل ألا يحتاجوا إلى أحد، حيث تعمل طوال عمرها فى أى عمل سواء فى المزارع أو الشركات الخاصة بتجميع الفواكه والخضراوات، مثلما كانت ذاهبة فى ذلك اليوم، حيث خرجت متوجهة إلى إحدى شركات تصدير المواد الزراعية.
وأوضح أن السيارة التى يقودها شاب كان على متنها 26 فتاة ما يعنى أن هذا جرم آخر لابد من معاقبته عليه إذا كان هذا الأمر مؤكدا لأنه لا يوجد سيارة تستطيع حمل كل هذا العدد ما يعتبر إهمالا واستهانة فى أرواح الضحايا، مشيرا إلى أن كل الضحايا يستيقظن كل يوم فى الساعة الرابعة صباحا حتى يصلن إلى العمل الساعة الخامسة أو السادسة كل يوم، أى بعد صلاة الفجر.
وطالب بمعاقبة المقصرين والمتسببين فى الحادث سواء سائق السيارة، أو القائم على المعدية، لأنه من المفترض أن تكون هناك حواجز من أجل أمان السيارات التى تكون على متن المعدية من أجل تلاشى سقوط أى سيارة كما حدث اليوم.
وقال أهالى الضحايا إنهم طالبوا كثيرا بانشاء كوبرى بدل المعدية وأرسلوا العديد من المناشدات إلى المسئولين تجنبا لوقوع حوادث بسبب معدية أبوغالب.
وأوضحوا أن الضحايا يخرجن للعمل مقابل مبلغ مالى لا يتجاوز 120 جنيها فى فترات المواسم تساعد على مشقة الحياة ولكن فى ذلك اليوم خرجن ولم يعدن مرة أخرى.
وقال أهالى ضحايا معدية أبو غالب، «كنا نفسنا نفرح بيهم.. واتزفوا عرايس للجنة».
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.