ملياردير الكوكب مكافحة الفقر الاستثمار الأحب
ربع مليون عامل يداومون يوميا في شركاته، يربح في الدقيقة الواحدة أكثر من2000 دولار و120 ألفا في الساعة وتقريبا مليونين و900 ألف دولار في اليوم، يلاعب الأرقام كالدمى ويقلبها في رأسه ذات اليمين وذات الشمال حتى تستقر على صفقة ما، هوسه بالأرقام غير محدود، فبعض الأشخاص تعنيهم الكلمات وهو تعنيه الأرقام، فالثروة عنده مثل البستان عليك ان تجعله ينمو ويستمر ليصبح أكبر واكثر تنوعا ومن هذا المنطلق فإذا كنت في المكسيك فلابد ان تشتري سلعة أو خدمة يمتلكها بدءا من شراء السجائر مرورا بتسجيلات الرهن وتناول الوجبات في المطاعم وصولا الى مملكة الاتصالات.
أضاف لقب «أغنى أغنياء العالم» الى سجل انتصاراته الذهبية ليقصي بيل غيتس عن واجهة النفوذ المالي العالمي وليتوجه عقب تتويجه الى بلده الأم لبنان وفي رصيده 53 مليار دولار بثروة هي الأكبر في العالم. يتحاشى السياسة إلا انه يتقن قوانين اللعبة فرغم انه في قلب المواجهة ضد الهيمنة الأميركية في العالم ويحارب مقلدي الأميركيين لكن ذلك لا يمنعه من البحث عن فرص استثمارية في الولايات المتحدة وهو ما نجح فيه حيث تحول الى اكبر مالك لأسهم «ام اس اي» وشركة فيليب موريس وكل ذلك من دون ان يضطر للتحدث باللغة الانجليزية التي يتقنها ويرفض التحدث بها في المناسبات العامة. ولكن رغم بعده عن السياسة ليتجنب التصادم معها ومع أهلها بشكل أو بآخر، فإن ثمة من يتنبأ بمشروع سياسي خاص لـ «كارلوس سليم» يسير به على خطى العديد من رجال الأعمال الذين دخلوا عالم السياسة بعد ذلك.
ولكن البعض يرى ان سليم وإن لم يدخل عالم السياسة علانية فقد دخلها من أبوابها الخلفية، في إشارة لما تردد عن تواطئه مع الرئيس المكسيكي كارلوس ساليتاس في صفقة «تيليميكس» عام 1991 وهي الصفقة التي أوصلته للمكانة التي يحتلها اليوم.
وترجع فصول تلك القصة الى بداية التسعينيات عندما غمر طوفان الخصخصة المكسيك في عهد الرئيس ساليتاس، وفاز سليم بالصفقة بمبلغ 76.1 مليار دولار رغم ان قيمة أملاك الشركة في السوق قدرت بـ 25 مليار دولار، وقد أثار ذلك اتهامات لسليم بأنه واجهة للرئيس المكسيكي في هذه الصفقة خاصة ان الأول قد حصل على تسهيلات في عملية السداد، ولكن ثبت فيما بعد براءة أغنى أغنياء العالم من تلك الاتهامات عندما تم الكشف عن قيمة العروض التي قدمها المنافسون حيث تبين ان عرضه لشراء الشركة هو أكبر العروض المقدمة.
الطاعة للمستشارين
فلسفته في النجاح متعددة الأوجه أولها مبدأ «اشتر رخيص لتنمو بسرعة» يليه الطاعة الدائمة لمستشاريه لأن رجل الأعمال عنده يجب ان يطيع مستشاريه فيما لا يملك خبرة فيه إذ لا يستنكف عن الاتصال هاتفيا بهم في أي وقت لسؤالهم عن معلومة مهما بدت تافهة، كما انه يحرص على الاستفادة من خبرات العاملين معه مهما صغرت مراكزهم. وكل هذا لا يلغي او يقلل من شأن مزايا اخرى يتمتع بها منها الذكاء الشديد الذي تشي به صفقاته العملاقة الناجحة، اضافة الى معرفته الدقيقة بقوانين اللعبة: فهو يفهم تماما أبعاد ما يدور حوله في لعبة المال ويتعامل من هذا المنطلق.
وثمة صفة اخرى يتمتع بها وهي انه ذو أعصاب فولاذية تفيد كثيرا في التعامل مع عالم الاقتصاد الشرس، فعلى سبيل المثال عشية فض عروض احدى المناقصات جمع زوجته وأولاده الستة، وأقسموا معا بأنهم إن وفقوا في مسعاهم، فلن يبيعوا أسهمهم «قبل جيلين».
خلافة بيل غيتس
الاستثمار الأفضل عنده هو مكافحة الفقر وأعماله الخيرية من الأساسيات لديه وقد اختلف في احدى السنوات مع منافسه بيل غيتس بشأن آلية توجيه العمل الخيري، فقد تهكم سليم من مؤسسة منافسه الخيرية قائلا إن مشكلة الفقر لا تحل بالتبرعات بل بتوسيع قطاع أعمال يخدم أعدادا أكبر بدلا من القيام بدور «بابا نويل» على حد تعبيره.
وقد أنشأ سليم مؤسسة لتقديم خدمات اجتماعية وتعليمية بميزانية 8.1 مليارات دولار، بل انه وعد بتقديم 10 مليارات خلال 4 سنوات لحل مشاكل الصحة والتعليم في المكسيك، ورغم انه سخر من طريقة التبرعات إلا ان جمعيته قدمت 95 ألف دراجة للأطفال الفقراء لتكون وسيلة انتقالهم الى المدارس، و70 ألف نظارة كما قدم 15 الف منحة دراسية لطلاب الجامعة، ويسهم في مشاريع مساعدة المفرج عنهم من السجناء على الاندماج في المجتمع من جديد، كما وزع 250 الف كمبيوتر على الأولاد الفقراء في المكسيك وأميركا الوسطى بمبلغ 70 مليون دولار عام 2007.
تواضع أرستقراطي
لا يعيش سليم نمط حياة أثرى الأثرياء رغم ثرائه الفاحش حيث لا يولي اهتماما بأناقته الشخصية ولا حتى بمكتبه، فملابسه لا تدل على انه ملياردير هذا الكوكب، ويقع مكتبه ومبنى شركته الرئيسي في مبنى قديم في وسط العاصمة المكسيكية وتلك البناية محاطة بناطحات السحاب، وحجم مكتبه لا يتعدى مساحة مكتب أي موظف عادي.
وكارلوس يفضل على ملابس مصممي الأزياء المشهورين الاهتمام بمتحفه الخاص.
ولايزال سليم يقطن في المنزل نفسه في المكسيك منذ 40 عاما ويقود سيارته المرسيدس القديمة لكن المدرعة وترافقه مجموعة من الحراس، يتحاشى اليخوت والطائرات الخاصة وأساليب حياة النخبة في المكسيك، في الآونة الأخيرة سلّم «الإمبراطور» الإدارة اليومية لشركاته الى ابنائه الثلاثة وبعض شركائه في العمل.
البيسبول والفنون
عاشق للعبة البيسبول الأميركية ومولع بالفنون من لوحات ومنحوتات، فقد أنفق الكثير ليبني «سنترو ديستريكت» وسط العاصمة المكسيكية وهو مشروع ضخم لإعادة الحياة الى الحي التاريخي، فحول المكان من مرتع للجرائم الى منطقة للسياح والفنانين الذين يستأجرون عمارات فارعة ويبنون استديوهاتهم ومعارضهم بأسعار زهيدة، ويقول موقع «ذي نيو انترناشيوناليست» على الانترنت: ان كارلوس دفع 4.3 ملايين دولار لعمدة مدينة نيويورك السابق رودي جولياني للمساعدة في الإعداد لخطة تهديم قلب المدينة القديم، وليس هذا صعبا على العمدة الذي حول نيويورك الى مدينة ممنوعة على الفقراء.
كارلوس الورقي
يعتبر كارلوس نفسه أحد من يقبلون على قراءة الصحف بنهم ويصف نفسه بأنه من «الجيل الورقي» لكنه يعتقد بوجود تحول باتجاه الصورة الرقمية للأخبار، التي دفعت بشركات الصحف في أتون نضال كبير من أجل البقاء، ويشبه سليم هذه الشركات بشركات النقل في بداية القرن العشرين التي دخلت في صراع مع ظهور السيارات التي تعمل بمحركات، حيث أفلس من تمسكوا بالخيول.
ومع امتلاكه شركات في مجالات الاتصال عن بعد يهيمن حلو على الساحة الإعلامية إلا ان ذلك لم يمنع من توجيه انتقادات عديدة له حيث نشر عنه مرة رسما كاريكاتيريا يصوره كملاكم ملقى على الأرض بالضربة القاضية من منافس قزم، فيما تظهر حلقة الملاكمة ذات حبال من أسلاك التلفونات، كما قدمه برنامج تلفزيوني هزلي على هيئة دمية يقوم المارة بإلقامها الفطائر بعنف.
ولم يتوقف الهجوم عند حد الهزل بل امتد الى كتابة أكاديمية رزينة كـ «دينيس دريسر» في معهد التكنولوجيا المكسيكي التي تقول في مقال لها ان سعي «سليم» لإغلاق الباب أمام أي منافسات جادة يضر الاقتصاد المكسيكي في المقام الأول.
من جانبه، هاجم جورج جريسون خبير سياسات اميركا اللاتينية ـ ما أسماه بـ «سياسة الـ 100 عائلة» التي تتحكم في ثروات المكسيك ويديرها (كارلوس سليم). لتجنب الاتهام بالاحتكار بصفة قانونية.
ومع بداية عام 2009 استثمر مبلغ 250 مليون دولار، في المجموعة التي تصدر صحيفة نيويورك تايمز ويحسن بذلك أوضاعها المالية المتردية ويسمح هذا الاستثمار لـ «نيويورك تايمز» بإعادة تمويل ديونها خصوصا مع القرض الدائم بقيمة 400 مليون دولار.
وفي مقال خصص لهذه العملية كتبت الصحيفة ان سليم لن يكون ممثلا في مجلس إدارة الشركة ولن تكون له حقوق تصويت في مقابل استثماره.
أصعب مكالمة في حياته
ان «العائلة تأتي أولا» لأن المال الكثير «لا يتعارض مع الحياة الشخصية والعائلة».. هكذا يقول كارلوس سليم الذي عرف عنه عشقه لعائلته خصوصا لزوجته سمية ضومط التي توفيت عام 99 حيث لا ينسى لحظة وفاتها ونقله الخبر لأبنائه حيث كانت المكالمة على قصرها أصعب مكالمة هاتفية يجريها طوال حياته: «آلو «سمية» ماتت في… لا يتذكر «كارلوس» انه استطاع من فرط الصدمة اتمام المكالمة التي أجراها لأبنائه ينعى لهم والدتهم، فمنذ دقائق كانت تجلس في المقعد المجاور له في الطائرة تذكره بذكريات سعادتهما الطويلة وفجأة سكنت بين يديه، في البداية اعتقد انها نائمة إلا ان سباتها طال، وهنا أدرك الحقيقة فقد ماتت رفيقة كفاحه.
ولم يكن خافيا على أحد مقدار الحب الذي يكنه كارلوس لزوجته الراحلة، فقد اعتاد ـ رغم مسؤولياته المتزايدة ـ ان يخصص وقتا لأسرته يغلق فيه هاتفه في وجه الملايين تاركا ادارة أعماله لمساعديه أما الوقت الذي يقضيه مع الأسرة فتهون أمامه كل صفقات العالم.
وإذا بكى سليم عند سماعه نبأ كونه أغنى الأغنياء فلن تكون دموع فرح فحسب بل تختلط بدموع الحزن لذكرى زوجته التي يتمنى لو كانت معه وشهدت هذا اليوم الذي طالما حلما به معا.
بداية السلم
عندما بلغ الثانية عشرة توفي والده فما كان منه إلا أن أصر على القيام بدور والده في تجارة العائلة التي اخذت في النمو باطراد ونجح في التوفيق بين دراسته والعمل.
التحق «سليم» بكلية الهندسة التي تخرج فيها بتفوق، وسرعان ما أسس شركة للبناء لاقت نجاحا كبيرا جعلت المهندس الشاب يغتنم العديد من الفرص التي وضعت قدميه على طريق الملايين، ومن هذه الفرص شراء معمل لإنتاج علب السجائر ثم تملك أول شركة لصناعة السجائر في المكسيك، ويمضي قدما من نجاح الى آخر حتى أصبح رئيسا لأكبر شركة تأمين ونائبا لرئيس البورصة وبعدها أنشأ شركة كبرى للعقارات أسهمت كثيرا في نمو أعماله.
وثمة محطة مهمة في مشوار «سليم» الناجح وهي شراؤه شركة «سيجاتام» التي توزع سجائر «مارلبورو» في المكسيك، وقد مكنته تلك الصفقة من توفير رأسمال ضخم مؤقت يحصل عليه بتأخير سداد قيمة السجائر الى خزانة الدولة لأسابيع يتمكن خلالها من تدويرها في أعماله، وبهذه الطريقة نجح في شراء أكبر محلات البقالة، وعدد من المطاعم وأكبر مصنع للأدوات الصحية.
وجاءت صفقة شركة المكسيك للاتصالات «تليميكس» لتكون درة التاج في مجموعة أعماله منذ شرائها في بداية التسعينيات حتى الآن.
وقد اشترت شركة «أميركا موبيل» التابعة لمجموعته كل شركات الهواتف الجوالة على مستوى اميركا اللاتينية حتى وصل عدد المشتركين فيها الى 100 مليون مشترك، هذا عدا عن امتلاكه بنكا و5 شركات تأمين تدر نصف مليار دولار، وشركتي تعدين، وشركة تصنيع قطع غيار السيارات، وشركة لإنتاج الكمبيوتر، واخرى للاسمنت، كما بدأ الاستثمار في مجال شركات الطيران.
ماجدة الرومي والقلب المفتوح
ولايزال سليم يذكر تلك الليلة عشية اجرائه عملية قلب مفتوح قبيل وفاة زوجته عندما ادارت له اغنية للفنانة اللبنانية مواطنته في بلاد الاجداد ماجدة الرومي تسأل فيها المطربة «أغدا عندما يدخلون قلبك الجريح اتراهم يقرأون فيه اسمي؟» وأعانته الكلمات العربية المعدودة التي يعرفها على فهم المعنى فأجاب زوجته من بين دموعه: نعم سيقرأونه ولن يقرأوا غيره في قلبي، وانهمرا في البكاء ليبكيها وحده فيما بعد.
كارلوس ونزار قباني
مع وفاة زوجته سمية ضومط والتي كانت الأقرب إلى قلبه، فكر سليم في تخليد ذكراها وهنا تذكر بلاد الأجداد وما سمعه عن شاعر سوري اسمه نزار قباني خلد اسم زوجته الراحلة بلقيس في ديوان شعر لا يضاهيه وفاء إلا ديوان «من وحي امرأة» للشاعر المصري عبدالرحمن صدقي الذي ضمنه عشرات القصائد في ذكرى زوجته الإيطالية التي ماتت قبل ان يولد كارلوس نفسه لكنه لا يميل الى الأدب الذي يخاصم المتعاملين مع الأرقام فاتجه بفكره شرقا متمثلا الملك الهندي شاه جهان وتخليده زوجته (ممتاز محل) فقرر ان يطلق على الشركة الام في امبراطوريته الاقتصادية اسم «كارسو» الذي يتكون من مزيج من اسمه واسم زوجته.
كما اطلق اسمها على متحف خاص انشأه ليضم مجموعة فنية هي الأندر في العالم واختار له اسم متحف سمية نظرا لأن اقتناء الأعمال الفنية عشق خاص لديه حتى انه جمع فيه نحو 120 قطعة للنحات الفرنسي اوجست رودان.
الجذور اللبنانية والنزاع التركي
عقب إعلانه اثرى اثرياء العالم اشارت صحيفة «ميليت» التركية في عددها الصادر في 12 مارس 2010 الى ان كارلوس سليم من اصل تركي هاجر اجداده من لبنان عام 1902، فرغم ولادة كارلوس في 28 يناير 1940 في مكسيكو إلا ان والد كارلوس لبناني من قرية جزين الجنوبية هرب في سن المراهقة من حكم العثمانيين في المنطقة العربية، لينزل في مرفأ تنبيكو المكسيكي عام 1902 برفقة ابيه واخويه الاثنين، وانتقلت عائلة سليم عام 1911 الى العاصمة مكسيكو حيث اسست متجرا لبيع المواد المنزلية، اطلقت عليه اسم la estrella del oriente اي نجمة الشرق. وينقل كارلوس عن ابيه ان جده كان يشتري اراضي وشققا في مدينة مكسيكو في عز الثورة، التي بدأت في العقد الثاني من القرن العشرين، فأخذ ابناء الجالية يحذرونه من الظرف الدقيق، فكان يجيبهم: على العكس انه احسن ظرف فالأسعار منخفضة والاراضي والشقق لن تغادر المكسيك الى اي مكان آخر.
واقرأ ايضاً:
قيادي قريب من أجواء «التيار الحر» لـ «الأنباء»: المحكمة الدولية وترقية شقيقته وراء حملة وهاب
نائب أكثري لـ «الأنباء»: الجميع محرجون بـ «البلديات»
أخبار وأسرار لبنانية
مسار التموضع «الجنبلاطي» يتبلور بعد زيارة دمشق
وزير الثقافة اللبناني: هبة صاحب السمو لإنشاء متحف تراثي وثقافي في بيروت تتيح عرض الاكتشافات الأثرية