قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إنه مع اقتراب عام 2024، يواجه الاقتصاد العالمي رياحا معاكسة في ظل استمرار ظهور التأثيرات المتأخرة لتشديد السياسات النقدية في وقت سابق، وعلى الرغم من أن المؤشرات الحالية لاتزال بعيدة عن الإشارة لأي ركود كبير، إلا أن توقعات النمو العالمي، بقيادة الأسواق المتقدمة، قد تراجعت في الأشهر القليلة الماضية.
وفي ذات الوقت، يبدو أن التضخم يسير في اتجاه هبوطي، مما يعزز الآمال في تحقيق «الهبوط الناعم»، على الرغم من أن التضخم الأساسي لايزال يحتاج لبعض الوقت حتى ينخفض لمستويات ما قبل الجائحة، ومن المرجح بلوغ الفائدة في الولايات المتحدة ذروتها، مع إشارة «الفيدرالي» لتغيير مساره بعيدا عن سياسة التشديد النقدي، وتوقع بخفض الفائدة عدة مرات العام المقبل.
وفي الصين، تواصل الحكومة صراعها مع تفاقم أزمة السوق العقاري، مما قد يدفعها لبذل المزيد من الجهد لدعم النظرة المستقبلية للاقتصاد، فيما تشكل الهند أبرز النقاط المضيئة القليلة للاقتصاد العالمي، إذ بقي معدل النمو أعلى من 7% في الربع الثالث.
ويقول تقرير الوطني، إن التقديرات تشير إلى أن الاقتصاد الأميركي، الذي تجاوز التوقعات في الربعين الأخيرين من 2023، بدأ يفقد بعض الزخم في ظل تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي وظهور التأثير المتأخر لسياسات التشديد النقدي بوتيرة مطردة، إذ نما الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث بمعدل سنوي قوي أفضل من المتوقع بنسبة 4.9% مقابل 2.1% في الربع السابق.
وكان إنفاق الأسر قويا وارتفع الاستثمار السكني بعد عامين متتاليين من التراجع، إلا أن المؤشرات الاقتصادية في الربع الرابع من 2023 كانت متباينة، في ظل ارتفاع مبيعات التجزئة (+0.3% على أساس شهري) والإنتاج الصناعي (+0.2% على أساس شهري) في نوفمبر بعد التراجعات الشديدة التي تم تسجيلها في أكتوبر.
في حين كانت قراءات مسح مؤشر مديري المشتريات (لقطاعي التصنيع والخدمات مختلطة بتسجيلها 46.7 نقطة و52.7 نقطة على التوالي) وتتمثل المحصلة النهائية لذلك في توقع السوق تباطؤ نمو الناتج المحلي بصورة حادة تتراوح بين 1و1.5% في الربع الرابع من العام.
ولايزال سوق العمل قويا، مما يعزز من سيناريو «الهبوط الناعم»، إذ استمر تزايد الوظائف في نوفمبر (+199 ألف وظيفة، أي أقل من متوسط عامي 2022-2023، إلا أنه أعلى من فترة ما قبل الجائحة) وتسارعت وتيرة نمو الأجور (+0.4% على أساس شهري)، مع انخفاض معدل البطالة (3.7%).
أشار تقرير «الوطني» إلى أن النشاط الاقتصادي في أوروبا اتجه نحو التراجع في الربع الثالث من عام 2023 على خلفية انخفاض الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار والإنتاج الصناعي وسط ارتفاع معدلات التضخم وتزايد تكاليف الاقتراض.
وكشفت التقديرات الأولية للناتج المحلي الإجمالي في منطقة اليورو للربع الثالث من عام 2023 عن تحول النمو لتسجيل معدلات سلبية بلغت -0.1% على أساس ربع سنوي (+0.2% في الربع السابق) وعدم تسجيل تغير يذكر تقريبا عند 0.1% على أساس سنوي، متباطئا بصورة حادة مقابل 0.5% في الربع السابق.
وبعد تسجيل قراءة سلبية في الربع الثالث من العام، أصبحت المنطقة على حافة الركود التقني، إذ بقيت قراءة مؤشر مديري المشتريات لشهري أكتوبر ونوفمبر أقل من حاجز 50 الدال على «عدم التغير»، مما قد يشير لانخفاض آخر في الإنتاج في الربع الرابع.
وأدى تدهور النشاط الاقتصادي لزيادة المخاوف المتعلقة باحتمال قيام البنك المركزي الأوروبي بتشديد السياسة النقدية أكثر من اللازم، خاصة في ظل تباطؤ معدل التضخم مؤخرا في شهر نوفمبر بنسبة 2.4% على أساس سنوي مقارنة بشهر أكتوبر (2.9%)، كما كان أقل بكثير من التوقعات.
وشهدت المملكة المتحدة سيناريو مماثلا، إذ أصيب الاقتصاد بحالة من الركود في الربع الثالث من عام 2023 (0.0% على أساس ربع سنوي، +0.6% على أساس سنوي)، ثم انكمش بصورة غير متوقعة بنسبة 0.3% على أساس شهري في أكتوبر.
كما انخفض معدل التضخم بوتيرة أكثر من المتوقع إلى 3.9% في نوفمبر (مقابل 4.6% في أكتوبر) وتباطأ نمو الأجور على مدار الثلاثة أشهر المنتهية في أكتوبر. ويتوقع أن يقوم بنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة العام المقبل، ولكن بوتيرة أكثر اعتدالا مقارنة بالبنك المركزي الأوروبي أو الاحتياطي الفيدرالي، نظرا لارتفاع مستويات التضخم في المملكة المتحدة حاليا.
وعلى صعيد المالية العامة، كشف وزير الخزانة جيريمي هانت في نوفمبر عن طرح حزمة من التدابير المتعلقة بجانبي الطلب والعرض لتخفيف أعباء تكاليف المعيشة وتحفيز النمو الاقتصادي بقيمة تصل في المتوسط لنحو 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي على أساس سنوي خلال السنوات المقبلة.
انتعاش الاقتصاد الصيني.. لكن النظرة المستقبلية تبقى حذرة
قال تقرير الوطني إن هناك مؤشرات دالة على انتعاش الاقتصاد الصيني رغم أن تراجع القطاع العقاري لايزال يؤثر على آفاق النمو. وتسارعت وتيرة نمو الناتج المحلي إلى 1.3% على أساس ربع سنوي في الربع الثالث من عام 2023، مرتفعا من 0.5% في الربع السابق، إلا انه تباطأ على أساس سنوي إلى 4.9% مقابل 6.3% في الربع الثاني نتيجة تأثير قاعدة الأساس. ويسير النمو على المسار الصحيح لتحقيق المستوى المستهدف من قبل الحكومة والبالغ «نحو 5%»، بعد أن وصل في المتوسط إلى 5.2% منذ بداية العام.
وكانت البيانات التي صدرت مؤخرا غير متجانسة، إذ خالف نمو مبيعات التجزئة التوقعات رغم تسارع وتيرة نموه إلى 10.1% على أساس سنوي في نوفمبر (7.6% في أكتوبر) بدعم من تأثير قاعدة الأساس، إلا أن نمو الإنتاج الصناعي وصل إلى أعلى مستوياته المسجلة منذ أكثر من عامين عند 6.6% على أساس سنوي.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.