- المانع من العيار الثقيل والمزيعل رقم صعب والشطي اكتشاف
- الأخوان المجيبل أشعلا الحماس والجزاف حضوره طاغٍ والمهدي عفوية
ياسر العيلة
في بعض الأحيان نشعر أننا أمام عمل فني يجبرنا على أن نتفاعل معه بكلمات ترضي طموح هذا العمل والذي يستحق تعبيرات تجعلنا نرفع له القبعة، فهناك فنانون يجبرونك على ان تحترمهم لما يقدمونه من ابداعات تجعلك تقف لهم احتراما وتقديرا.
هذه مقدمة بسيطة عن مسرحية «مولانا» التي حظيت بشرف مشاهدتها منذ أيام قليلة وهي من تأليف الكاتب الكبير بدر محارب، ومن اخراج المعجون موهبة العبقري محمد الحملي وبطولة نخبة من النجوم الذين تفوقوا على أنفسهم بشكل رهيب، ومنهم من اعادوا اكتشاف انفسهم وكانوا مفاجأة لي وللجمهور، فجميعهم يستحقون ان نرفع لهم القبعات وعلى رأسهم النجم مبارك المانع الذي يقدم المتعة والترفيه والكوميديا الراقية التي يطلبها الجمهور، وفي الوقت نفسه يطرح ما يجب أن يقدم من فكر ووعي، وما يريد أن يوصله للجمهور ونعول عليه دائما في تقديم المسرح الهادف الذي يحمل الفكر والمتعة معا وهى بالمناسبة نظرية صعبة، لكن يجيدها في كل أعماله التي قدمها فتشاهد مسرحه وأنت مستمتع وتفكر، وفي مسرحيته الأخيرة «مولانا» قدم أصعب أنواع الكوميديا وفى الوقت نفسه أرقاها وأفضلها وهي الكوميديا السوداء، وخلال العرض نضحك ونبكي ونفكر في الماضي وفي المستقبل، لذلك أنا أعتبر المسرحية من أفضل المسرحيات التي تم تقديمها في السنوات الأخيرة، والتي تدور أحداثها في قرية معزولة عن العالم الخارجي بسبب حاكمها العمدة الديكتاتور، الى ان يأتي إليها المدرس المتمرد الثوري أسعد «مبارك المانع» حيث يجد ترحيبا حذرا من أهل القرية ويبدأ في تلقينهم القيم التي يؤمن بها من عدل ومساواة وحرية ثم يصطدم بمولانا« أسامة المزيعل» والعمدة، حيث يصر الأخير على الزواج من الفتاة سارة «فرح المهدي» ويقف مولانا وأفراد الشرطة في صفه. بينما يقف أفراد الشعب في صف «المعلم المعترض على هذا الزواج فيقبض عليه لإثارة الشغب وتكدير أمن القرية فتقترح عليه فتاة المقهى مونيا «فوز الشطي» قتل العمدة وتخليص سارة منه، وتعطيه مسدسا، ليرتكب الجريمة ويصبح مدانا بالجرم المشهود. وبدلا من أن يحتفى به كبطل ومناضل للحق، يجد نفسه مجرد أحمق سقط في فخ دبره بذكاء جميع أفراد القرية بقيادة مولانا.
أحكم مخرج العمل محمد الحملي سيطرته على الممثلين وعلى الفهم الدرامي لعناصر اللعبة المسرحية. وهذا كان واضحا جدا في عرض «مولانا» حيث يملك الحملي وعيا مسرحيا فارقا مقارنة بزملائه المخرجين الآخرين، وقدم حلولا درامية وبصرية ذكية، ومتكاملة، ومن أجمل المشاهد مشهد العودة الى الوراء عبر flash back تديره فوز الشطي، لتكشف لأسعد بعض التصرفات الغامضة التي لم يفهمها في حينها. تعامل الحملي مع الديكور كبطل رئيسي في العرض وليس مجرد خلفية تزيينية، ويوظفه دراميا إلى أقصى حد.
الموسيقى والأغاني كانت من عناصر نجاح العمل، كانت رائعة بمعنى الكلمة وروعتها تكمن في دورها الدرامي كتيمة موسيقية لحنية ثرية وموحية وأغان محفزة للفرح والشجن.
وعن الأداء التمثيلي في العمل لمبارك المانع بدور المدرس كان رائعا وكل يوم يثبت انه فنان من العيار الثقيل والكلام نفسه ينطبق على النجم أسامة المزيعل الذي تفوق على نفسه وقدم دور مولانا باحترافية شديدة وكان بحاجة لمثل هذه الفرصة ليعلن عن نفسه بأنه رقم صعب بين نجوم المسرح، وبالنسبة للنجمة فوز الشطي فكانت مفاجأة العمل حيث تمردت على نفسها في دور فتاة المقهى وقدمته بشكل جميل ويبدو أن فوز تشعر بأريحية كبيرة مع فريق العمل فصالت وجالت على خشبة المسرح وكشفت للجمهور انها تمتلك قدرات كوميدية كبيرة لا يستهان بها، وقدم مشاري المجيبل دور ساعي البريد بشكل مميز وملأ المسرح حيوية بأداء تمثيلي متكامل استحق عليه إعجاب الحضور الكبير الذي ملأ مسرح الشيخ دعيج الخليفة الصباح، رحمه الله، وقدم صاروخ الكوميديا بشار الجزاف واحدا من اجمل وأصعب ادواره، حيث جسد شخصية «بوسارة» صاحب مقهى القرية، فالجزاف يملك بالفعل حضورا مسرحيا طاغيا، وأجاد النجم الشاب شملان المجيبل في دور قائد الشرطة فقدم السهل الممتنع وأشعل حماس الجمهور بأدائه التلقائي وخفة دمه التي تعالت معها ضحكات الجمهور، فيما قدمت النجمة الشابة فرح المهدي شخصية سارة بتمكن شديد اقنعت بأدائها العفوي الجمهور الذي صفق لها كثيرا.
في النهاية مسرحية «مولانا» والتي أراها من افضل العروض المسرحية والأكثر نضجا واكتمالا والأكثر وعيا بالمسرح كشكل فني، ولم تقع في فخ التسطيح أو الحوار الممل أو الأفيهات الهابطة فالعمل يستحق المشاهدة فهو عرض فني متكامل يؤكد أن أرض الكويت لا تنضب من المواهب في عالم الفن وستظل هوليوود الخليج.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.