د. خالد حنفى الأمين العام للغرف التجارية العربية
يجب الفصل بين السياسة والاقتصاد فى الوطن العربى لتحقيق التنمية
وسط أزمات اقتصادية متتالية تضرب العالم بقوة منذ جائحة كورونا مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية مما تسبب بموجة تضخم عالمية، لجأت العديد من الدول إلى بناء تشكيلات وتحالفات اقتصادية، للعبور من الأزمة ووقف النزيف الاقتصادى، لذا انضمت مصر إلى مجموعة بريكس، وتعاونت جامعة الدول العربية واتحاد الغرف التجارية العربية لتنظيم أول قمة اقتصادية للقطاع الخاص العربى، بهدف تشكيل وحدة اقتصادية عربية، وإزالة معوقات حركة الاستثمار والتجارة البينية.
«الوفد» أجرت هذا اللقاء مع الدكتور خالد حنفى أمين عام اتحاد الغرف التجارية العربية، للوقوف على الوضع الاقتصادى للمنطقة العربية بشكل عام، ودور الغرف العربية فى التنمية الاقتصادية وفوائد انضمام الدول العربية إلى مجموعة بريكس، بالإضافة إلى التعرف على مبادرات الاتحاد لتوفير فرص العمل للشباب.
< كيف ترى انضمام مصر وبعض الدول العربية إلى مجموعة بريكس؟
<< يفتح انضمام مصر إلى مجموعة «بريكس» الباب على مصراعيه للاستفادة من الفرص المتنوعة ذات العائد الإيجابى على الاقتصاد المصرى. كما سيؤدى انضمام مصر إلى تعزيز دورها المهم والمؤثر فى أفريقيا، من خلال الاتفاقيات التجارية فى ما بينها، حيث ستتمكن من الاستفادة من الاتفاقيات التجارية مثل السوق المشتركة للجنوب (ميركوسور)، لتصبح مركزًا يربط أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. وستتمكّن الدول الأعضاء فى المجموعة من لعب دور متزايد فى التأثير على الاقتصاد العالمى، وبالتالى تشكيل استراتيجية اقتصادية جديدة متعددة الأقطاب وهو يعد بمثابة مساعدة للاقتصاد المصرى، وبالتالى انضمام مصر للتجمع بمثابة تنوع الخيارات أمام القاهرة والتخفيف من تعرضها لأى شكل من أشكال الضغوط الاقتصادية، وأيضاً سيعزز انضمام مصر إلى المجموعة من قدرتها فى دعم تنميتها المستدامة ومعالجة قضايا السيولة من خلال عضويتها فى بنك التنمية الجديد. إلى جانب زيادة التبادل التجارى بين مصر والمجموعة، وفتح قنوات استثمارية جديدة، حيث تشير التوقعات إلى مزيد من الاستثمارات البينية ووضع دول كالهند على سبيل المثال على خريطة الاستثمار المصرية، والأهم من كل ذلك تأمين السلع الاستراتيجية، حيث تنتج دول «بريكس» ثلث إنتاج العالم من الحبوب، وقد أجرت مصر وروسيا والهند مناقشات فى السابق فى ما يتعلق بتداول القمح والأرز، إلى جانب سلع استراتيجية أخرى، بالجنيه المصرى والروبل والروبية. ومن خلال الانضمام إلى مجموعة «بريكس»، يمكن أن تؤتى هذه المحادثات ثمارها.
الاستثمار الأجنبى فى المنطقة ضئيل مقارنة بدول العالم
< وما الدور الذى يمكن للغرف التجارية العربية أن تلعبه فى دعم الأعمال وتحسين الاقتصاد فى المنطقة؟
<< يعقد اتحاد الغرف العربية الذى يعدّ الممثل الحقيقى للقطاع الخاص العربى، اجتماعين دوريين كل عام لمجلس إدارته، بحضور رؤساء الغرف واتحادات الغرف الأعضاء فى الاتحاد. وتشكّل هذه الاجتماعات نقطة ارتكاز لتطوير وتعزيز دور الغرف الأعضاء واتحاداتها كممثل لمجتمعات الأعمال والقطاع الخاص فى بلادها، ودعم أجهزتها الفكرية والإدارية وقدراتها التقنية والمعلوماتية لأداء هذا الدور على أكمل وجه، وتنسيق آرائها ومواقفها لدى الهيئات والمنظمات الاقتصادية الإقليمية والدولية، ومساندة جهود الاتحادات النوعية والمشاريع والمنظمات الاقتصادية العربية التى تخدم نشاطاتها أهداف الاتحاد.
ولا شكّ يقع على عاتق الغرف العربية والقطاع الخاص العربى دور كبير فى تحويل أهداف التنمية المستدامة إلى واقع ملموس على الأرض فى المنطقة العربية. حيث أن القطاع الخاص العربى يمثل تقريبا 75% من الناتج المحلى الإجمالى العربى ويستوعب حوالى 75% من المواطنين العرب فى قوة العمل. ولكن دور الغرف واتحاد الغرف العربية لا ينحصر فقط بتوظيف الشباب العربى وطالبى العمل العرب ولكن أيضاً النهوض بالاقتصادات العربية ورفع مستوى القطاع الخاص العربى ليس فقط لزيادة التجارة البينية العربية ولكن أيضاً للولوج إلى الأسواق العالمية، حيث يضم اتحاد الغرف العربية تحت مظلّته 16 غرفة عربية وأجنبية مشتركة، وتساهم هذه الغرف فى تعزيز واقع العلاقات الاقتصادية بين البلدان العربية والدول الأجنبية التى تقع فى بلدانها هذه الغرف المشتركة.
< هل تعتقد أن الغرف التجارية يجب أن تكون أكثر تدخلاً فى الشأن السياسى؟
<< منذ نشأته يحرص اتحاد الغرف العربية ضمن أهدافه السامية، على تطبيق مبدأ فصل السياسة عن الاقتصاد، حيث أن فصل الاقتصاد عن السياسة أصبح من الضرورة فى وقتنا الحاضر، لما لهذا المبدأ من أثر كبير فى النمو والازدهار، لذلك باعتقادنا فإن على بلداننا العربية التى تنشد الازدهار أو التقدم الاقتصادى، أن تأخذ بهذا المبدأ، ومن هذا المنطلق ندعو إلى الاخذ بهذا المبدأ، لما له من أثر كبير فى التنمية الاقتصادية.
الاقتصاد العالمى غير مستقر ويحتاج إلى إصلاحات عاجلة
< ما تقييمك للحكومات العربية فى مجال تشجيع الأعمال ودعم القطاع الخاص؟
<< رسّخت حكومات العديد من الدول العربية مثل مصر والإمارات والسعودية والعديد من البلدان العربية، دور القطاع الخاص، وعززت مساهمته فى مجالات الاستدامة بجميع القطاعات، لتصبح هذه الدول من الأفضل عربيا وإقليميا فى هذا المجال، ما هيّأ فرصاً استثمارية وفرصاً وظيفية كبيرة، جعلت من القطاع الخاص شريكاً استراتيجياً فى تنفيذ المشاريع الاستثمارية والاستراتيجية الكبرى، فى العديد من القطاعات الحيوية. ومن هذا المنطلق تستطيع الحكومات تعزيز مشاركة القطاع الخاص على نطاق واسع فى مجموعة من المبادرات، التى يمكن أن يُفتح من خلالها الباب أمام النقاشات ووضع المقترحات الخاصة بتسريع استثمارات القطاع الخاص وتعزيز التنمية والابتكار.
< كيف ترى الدور الذى تلعبه الشركات الكبرى فى تحديد سياسات الحكومات الاقتصادية؟
<< الشركات الكبرى توفر 70% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، ويمكن للابتكارات التى تقودها الشركات المساهمة فى ردم فجوة التمكين من خلال تعزيز دخل الموظفين، مع ضرورة اقترانها مع الاستراتيجيات والسياسات العامة الهادفة إلى توفير التعليم والتدريب ورعاية الأطفال والرعاية الصحية وتحقيق المساواة بين الجنسين فى الوظائف. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن النمو والابتكار التى تقودها الشركات والدعم الحكومى المباشر كلّها عوامل ضرورية لردم فجوتى التمكين والاستدامة، وللحد من التغير المناخى، إضافة إلى تعزيز رأس المال الطبيعى والتنوع البيولوجى، وتمكين الأُسر، وضمان تكافؤ الفرص. وتتطلب الجهود اللازمة لتحقيق هذا النمو تضافر جهود العديد من الجهات المعنية.
< ما التدابير التى يمكن للحكومات اتخاذها لتشجيع الاستثمارات الأجنبية فى المنطقة العربية؟
<< ارتفعت مشاريع الاستثمار الأجنبى المباشر الواردة إلى المنطقة العربية بنسبة 74٪ سنة 2022 على أساس سنوى ليصل إلى 1617 مشروعا. فى حين بلغت التكلفة الاستثمارية لهذه المشاريع 200 مليار دولار بزيادة 358٪ عن سنة 2021. وهذا أمر إيجابى وحيوى يدلّ على جاذبية المنطقة العربية للاستثمارات الأجنبية. ولكن على الرغم من ذلك فإن هذه النسبة تعتبر ضئيلة بالمقارنة مع باقى دول العالم، من هنا لا بدّ على دول المنطقة، سرعة تنفيذ خطط متكاملة لتحسين مناخ الاستثمار بمختلف مكوناته السياسية والاقتصادية والمؤسسية، لاسيما مع تزايد حدة المنافسة بين دول العالم على استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاعاتها المختلفة.
القطاع الخاص العربى يمثل 75٪ من الإنتاج المحلى ويستوعب ثلثى الموظفين
< هل تعتقد أن الاقتصاد العالمى بحاجة إلى إصلاحات جذرية؟
<< إن الاقتصاد العالمى فى وضع غير مستقر، وباستثناء شرق وجنوب آسيا، فلا يزال الطريق طويلاً أمام الوصول إلى الديناميكية اللازمة للقضاء على الفقر، والتصدى لتغير المناخ، وإعادة بناء رأس المال البشرى. ومن المتوقع أن تنمو التجارة عام 2023 بأقل من ثلث وتيرتها فى السنوات التى سبقت الجائحة. أما بلدان الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، فتتزايد فيها ضغوط الديون بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. وقد أدت مواطن الضعف فى المالية العامة بالفعل إلى دفع العديد من البلدان منخفضة الدخل إلى المديونية الحرجة. وفى الوقت نفسه، فإن الاحتياجات التمويلية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة تفوق وبمراحل أكثر توقعات الاستثمار الخاص تفاؤلاً.
واستنادا إلى التطورات التى شهدها العالم فى السنوات الأخيرة، بدءا من جائحة كورونا ومرورا بالحرب الروسية – الأوكرانية، ووصولا اليوم إلى موجات التضخّم التى تشهدها دول العالم، فإن هناك أموراً عديدة يجب على الدول الغنية أن تنفذها على الفور، وهى إصلاح سياساتها النقدية، وأشكال الاستثمار الخاص التى تقوم بتحفيزها، ومكافحة الاحتكار.
< ما التحديات التى تواجه اقتصاد المنطقة العربية فى الوقت الراهن؟ وما الخطوات التى يجب اتخاذها لتحسين البيئة الاقتصادية فى المنطقة العربية؟
<< عام 2023 أكثر السنوات توقعا بحدوث ركود اقتصادى يبدأ من الولايات المتحدة وينتقل عبر المحيط إلى المملكة المتحدة ثم إلى الاتحاد الأوروبى، بينما لن تكون المنطقة العربية بمنأى عنه، وبالتالى فإن الدول العربية التى تبنت برامج إصلاح اقتصادى ورؤى واستراتيجيات لتنويع اقتصاداتها، وتشجيع دور القطاع الخاص، تبدو أكثر قدرة على مواجهة الصدمات. كما أن الدول العربية المصدرة الأساسية للنفط، ستستفيد من تحسن مستويات أسعار الطاقة، حيث يتوقع أن تكون لذلك آثار إيجابية على النمو الاقتصادى لهذه الدول خلال عامى 2023 و2024، وأن تشهد مجموعة الدول المصدرة الرئيسية للنفط معدل نمو يبلغ 3.4٪ فى 2023، ثم 4.2٪ فى 2024.
الاتحاد يضم 16 غرفة عربية وأجنبية لتعزيز التعاون المشترك
ومن هنا فإن أولويات الإصلاح فى قطاع المالية العامة بالنسبة لصانعى السياسات بالدول العربية خلال السنتين القادمتين، فلا بدّ أن تشمل القيام بمراجعة معدلات الضرائب وترشيد الإعفاءات الضريبية فيما يخص الإيرادات العامة، ومراجعة سياسات الدعم وتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية فى ما يتعلق بالنفقات العامة. من جهة أخرى، فإن أهم القضايا والموضوعات ذات الأولوية للبنوك المركزية ومؤسسات النقد العربية خلال السنتين القادمتين، فيجب أن تشمل تطوير أطر وأدوات إدارة السياسة النقدية، وتعزيز النطاق المستهدف لسعر الصرف، والتحول الرقمى (تبنى التقنيات المالية الحديثة)، واستمرار التطوير فى السياسات الاحترازية الكلية.
< ما المبادرات التى يقدمها اتحاد الغرف للشباب الذين يرغبون العمل فى مجال الأعمال والتجارة؟
– يولى اتحاد الغرف العربية، اهتماما بالغا بتنمية وتطوير قدرات الشباب العربى، وقد أطلق الاتحاد بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (يونيدو) مبادرة لدعم ريادة الأعمال ورواد الأعمال فى العالم العربى، وكانت مصر أولى محطات هذه المبادرة على أن تعمم التجربة والمبادرة على باقى البلدان العربية.
التجارة العالمية فى 2023 وصلت إلى الثلث.. والديون تضغط على الدول النامية
كما نفتخر فى الاتحاد بأننا كان لنا الشرف فى إطلاق مسابقة «رالى العرب لريادة الأعمال»، وقد تمّ تنظيم نسختين حتى الآن، وحقق الفائزون بنسختيها الأولى والثانية، نجاحا باهرا فى مسيرتهم العمليّة، حيث ضمّت قائمة مجلة فوربس، عن الشباب الأكثر تأثيرا والمبدعين الذين أثبتوا بصماتهم بالمنطقة وخارجها، فى فئتها للتأثير الاجتماعى، كلاً من وضاح ملاعب (لبنان) والفائز بالمركز الأول فى مسابقة رالى العرب لريادة الأعمال فى البحرين 2019، وحسن الحراكى (سوريا) والفائز بمسابقة رالى العرب لريادة الأعمال بنسختها الثانية «اكسبو دبى 2022».
ويأتى اهتمام الاتحاد بريادة الأعمال ورواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، نظرا لما تمثّله من عامل حيوى فى النظم الاقتصادية الوطنية، لا سيما أنهم يخلقون فرص عمل من إجمالى الوظائف بنسبةٍ أعلى من تلك التى يخلقها أرباب العمل الآخرون، وتنظم لهم ورش عمل ومبادرات.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.