لماذا يواصل المستثمرون الابتعاد عن حيازة


  • ضغوط هبوطية قد تدفع المعدن للتراجع دون 1800 دولار للأوقية على المدى القصير
  • ارتفاع الدولار الأميركي قد لا ينتهي قريباً ما يهدد باستمرار الضغط على سوق الذهب

تواصل أسعار الذهب سلسلة الخسائر التي دفعتها لتسجيل أدنى مستوى في نحو سبعة أشهر، ليبتعد المعدن أكثر عن الذروة المسجلة في مايو الماضي.

وتتراكم العوامل الضاغطة على المعدن النفيس في الوقت الحالي، وسط توقعات متباينة بشأن الآفاق المستقبلية للأسعار.

تعرضت أسعار الذهب للتراجع لليوم السادس على التوالي عند تسوية تعاملات الإثنين، في استمرار للاتجاه الهابط للمعدن.

العقود الآجلة للذهب تسليم شهر ديسمبر وصلت إلى 1847 دولارا للأوقية عند تسوية تعاملات الإثنين، وهو أدنى مستوى منذ مارس الماضي.

فيما يتعلق بسعر التسليم الفوري، فإنه واصل الهبوط لمستوى يقل عن 1830 دولارا للأوقية.

في الأسبوع الماضي، تراجع سعر التسليم الفوري الذهب بنسبة 4%، في أكبر هبوط أسبوعي منذ يونيو 2021، وانخفض المعدن بنحو 5% في شهر سبتمبر الماضي، ليسجل أسوأ أداء شهري منذ فبراير 2023.

وعلى الصعيد الفصلي، تعرض الذهب لخسارة تتجاوز 3% في إجمالي الربع الثالث من هذا العام، ومنذ تجاوز مستوى 2000 دولار للأوقية في بداية شهر مايو الماضي، فقد الذهب أكثر من 11% من قيمته.

لكن رغم الهبوط القوي مؤخرا، لايزال الذهب مرتفعا منذ بداية هذا العام، لكنه قلص مكاسبه إلى نحو 2% فحسب، مقارنة بصعود وصل إلى نحو 13% في أول 5 أشهر من العام.

ضغوط سلبية على الذهب

تعرض المعدن النفيس لضغوط كبيرة في الأيام الماضية بفعل عدة عوامل تسببت مجتمعة في تراجع جاذبية الذهب بالنسبة للمستثمرين، ويأتي الصعود الملحوظ للدولار الأميركي في مواجهة العملات الرئيسية الأخرى في صدارة العوامل الضاغطة على أسعار الذهب مؤخرا.

يتداول مؤشر الدولار ـ يقيس أداء العملة الأميركية أمام سلة من ست عملات رئيسية ـ عند أعلى مستوى في 10 أشهر قرب 107 نقاط، ومما لا شك في أن ارتفاع الدولار يجعل شراء الذهب أكثر تكلفة بالنسبة لحائزي العملات الأخرى، مع حقيقة أن المعدن الأصفر مقوم في معظم البورصات بالعملة الأميركية.

كما تأثر المعدن النفيس أيضا بالارتفاع الملحوظ لعوائد سندات الخزانة الأميركية، حيث إن صعودها يجعل الذهب أقل جاذبية للمستثمرين، مع حقيقة أن المعدن لا يمنح أي عائد.

وشهد العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات ارتفاعا إلى 4.7% خلال تعاملات الإثنين، وهو أعلى مستوى منذ أكتوبر 2007، فيما يأتي ارتفاع الدولار وعوائد سندات الخزانة الأميركية مع إصرار الاحتياطي الفيدرالي على إبقاء معدلات الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة أطول من الوقت، مع تأخير التحول نحو الخفض.

وتشير أداة «فيد واتش» إلى احتمالية تقارب 55% لقيام الاحتياطي الفيدرالي بتثبيت معدلات الفائدة عند النطاق الحالي بين 5.25% و5.5% هذا العام، لكن الاجتماع الأخير للفيدرالي أشار إلى أن معظم المشاركين يتوقعون إقرار زيادة إضافية في معدلات الفائدة قبل نهاية هذا العام.

كما توقع «الفيدرالي» القيام بعمليتي خفض للفائدة في العام المقبل، ما يعتبر أقل من تقديراته السابقة بخفضها 4 مرات في 2024.

وقال «جيم ويكوف» كبير المحللين في «كيتكو ميتالز» إن هناك اعتقادا بأن معدلات الفائدة الأميركية ستظل مرتفعة لفترة أطول بكثير مما كان يعتقد سابقا.

التضخم والفائدة الحقيقية

يعتبر الذهب تاريخيا أحد أبرز أدوات التحوط لدى المستثمرين من ارتفاع المستوى العام للأسعار، لكن العديد من المؤشرات أظهرت مؤخرا أن التضخم في الكثير من دول العالم ربما وصل إلى الذروة بالفعل في صيف 2022، ليواصل الاتجاه الهابط خلال الأشهر الأخيرة.

وكشفت أحدث بيانات أميركية أن مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي في أغسطس ارتفع 3.9% على أساس سنوي، مقابل 4.3% في يوليو، ليسجل أدنى مستوى في نحو عامين.

في منطقة اليورو أيضا، تباطأ التضخم لمستوى 4.3% في سبتمبر على أساس سنوي، مقارنة بذروة بلغت 10.6% في أكتوبر عام 2022.

على جانب مواز، تمثل الفائدة الحقيقية سببا إضافيا لتراجع أسعار الذهب خلال الفترة الأخيرة، حيث أشارت دراسة صادرة عن بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو عام 2021 إلى أن معدلات الفائدة الحقيقية ـ مثلما هو الوضع حاليا في الولايات المتحدة لديها تأثير كبير على أسعار الذهب.

ويميل المستثمرون إلى شراء الأصول المالية التي تمنح عوائد مباشرة، سواء عبر التوزيعات أو الفوائد، حينما تكون معدلات الفائدة الحقيقية موجبة.

وتصل الفائدة الأميركية الاسمية حاليا إلى 5.25% و5.5%، بينما وصل مؤشر أسعار المستهلكين إلى 3.7%، ما يعني أن الفائدة الحقيقية تقل قليلا عن 2% حاليا.

أين يتجه الذهب؟

تبدو التوقعات بشأن آفاق المعدن الأصفر مائلة نحو الهبوط، لكن بعض العوامل قد تقدم الدعم اللازم لتماسك الذهب في الفترة المقبلة.

يعتقد «ويكوف» من «كيتكو ميتالز» أن الضغوط الهبوطية على الذهب قد تدفع المعدن للتراجع دون 1800 دولار للأوقية على المدى القصير.

وأشار المحلل إلى أن ارتفاع الدولار الأميركي قد لا ينتهي في أي وقت قريب، ما يهدد باستمرار الضغط على سوق الذهب.

قال «ديفيد ميجر» مدير تداول المعادن في «هاي ريدج فيوتشرز» إن توقعات الذهب لها علاقة كبيرة ببيئة معدلات الفائدة في الفترة المقبلة.

كما ذكر «إدوارد مويا» كبير محللي السوق في «أو إيه إن دي إيه» أن الذهب قد يتراجع أدنى مستويات 1800 دولار في حال ارتفاع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات أعلى 5%.

ويعتقد «مويا» أن ارتفاع الذهب مرتبط بوصول الدولار إلى الذروة، لكنه استبعد عودة المعدن لمستويات 2000 دولار على المدى القصير، لكن وعلى جانب آخر، يوجد بعض العوامل التي قد تقدم بعض الدعم لأسعار الذهب في الفترة المقبلة، إذ لا تزال مشتريات البنوك المركزية والطلب القوي على المعدن من جانب الصين يمثلان عوامل دعم للذهب، فقد اشترت البنوك المركزية العالمية أحجاما قياسية من الذهب خلال النصف الأول من العام الحالي، بدعم خاص من الصين وتركيا، كما فضل الصينيون التوجه نحو الذهب، في مسعى للتحوط من ضعف اليوان والتباطؤ الاقتصادي في البلاد.

وشهدت الصناديق الصينية المتداولة في الذهب تدفقات وافدة في أغسطس للشهر الثالث على التوالي، كما اشترى بنك الشعب الصيني 29 طنا من الذهب في أغسطس، ليواصل مراكمة المعدن للشهر العاشر على التوالي.

ويرى محلل «سيتي جروب» أن أسعار التسليم الفوري للذهب قد تصل إلى القاع في الربع الرابع من هذا العام، قبل أن تصعد أعلى 2000 دولار في بداية العام المقبل، كما تشكل المخاوف المتصاعدة مؤخرا بشأن احتمالية تضرر أداء الاقتصاد الأميركي من معدلات الفائدة المرتفعة عامل دعم محتمل لأسعار الذهب.

وكتب «أولي هانسن» رئيس استراتيجية السلع الأساسية في ساكسو بنك في مذكرة أنه من غير المرجح أن يختفي الطلب على الذهب كوسيلة للتحوط ضد فشل احتمالية «الهبوط السلس»، مع ارتفاع التحديات التي تواجه الاقتصاد الأميركي في الفترة المقبلة.

ويعتقد «أليكس كوبتسيكيفيتش» كبير محللي السوق في «إف إكس برو» أنه على المدى القصير، يشهد الذهب مبالغة في البيع، ما قد يؤدي إلى تعاف تصحيحي محتمل.


اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading