عندما يتخذ المتداول قراره بالاستثمار في شركة ما فإنه يحرص على التيقن من إمكانية صعود سعره مستقبلًا، ويدرس بناء على ذلك كافة العناصر المتعلقة بالشركة التي يعتزم الاستثمار بها، من قوائمها المالية وموقفها التنافسي وحجم رأسمالها، ومضاعف ربحيتها وغير ذلك من المؤشرات التي تعينه من اتخاذ قراره بالشراء من عدمه.
وفي المقابل فهناك العديد من الإشارات التي على المستثمر ترقبها كي يعرف أن الشركة التي يحوز أسهمها أو يعتزم الاستثمار بها على وشك التراجع بما يجعله يتخلص من تلك الأسهم مبكرًا وقبل خسارة أمواله.
حجم الديون.. ونوعية الأصول
ولعل الخطر الأكبر دائما ليس تراجع سهم شركة ولكن إفلاسها، وعلى سبيل المثال كان بنك “ليمان براذرز” مدينًا بحوالي 613 مليار دولار ونظريًا كانت الأصول المتاحة لديه تتخطى دينه بهامش ضئيل بإجمالي 639 مليار دولار، ولكن الصعوبة الرئيسية كانت في ضعف إمكانية تسييل الأصول التي يمتلكها بما أدى لعجزه عن السداد وبدأ من هنا التسلسل الذي كان شرارة لأزمة المالية العالمية.
والشاهد أن عوامل أخرى ساهمت أيضًا في انهيار البنك التام، مثل ميل الإدارة للمخاطرة والثقة العمياء في القطاع العقاري بعد نموه المتفجر في الفترة بين 2000-2006، بما أدى لتورط البنك في مارس 2006 في شراء عقارات تجارية بشكل واسع، قبل أن تنهار قيمتها لاحقًا، لكن الديون الكبيرة مع الأصول السيئة كانت عامل الحسم في إفلاس البنك الأمريكي.
وفي هذا الإطار يعد الإقبال على إقراض شركة ما وشروط الإقراض أيضا من ضمن العوامل التي تؤشر بشدة على تراجع سعر سهم شركة من عدمه، حيث تحصل المؤسسات التمويلية على بيانات الشركات التي تقرضها كاملة وتدرسها بعناية، والامتناع عن منح القروض أو منحها بضمانات وشروط متشددة مؤشر على موقف الشركة السيئ وبالتالي احتمال تراجعها أيضا.
حجم التداول الاستثنائي
كثيرًا ما يُضرب المثال بشركة “نوكيا” بوصفها نموذجًا للتخلف عن ركب التطور وبالتالي الفشل في البقاء على القمة، ولكن لذلك انعكاس على أسهم الشركة أيضًا، ومن ذلك أن أسهم الشركة شهدت تبادلًا قياسيا (حجم التداول) في الفترة 2000-2001، وهي الفترة التي شهدت تراجع سعر السهم من 62 يورو إلى قرابة 14 يورو.
وازداد حجم التداول بنسبة كبيرة تراوحت بين 70-140% عن نفس الأشهر في عام 1999 وذلك بفعل ظهور العديد من العوامل التي أثرت في ثقة المستثمرين حينها في الشركة من ظهور منافسين يزدادون قوة، وتهديداً نسبياً لحصة الشركة في السوق وتأثر كافة القطاعات التكنولوجية بفقاعة “دوت.كوم”، وعوامل أخرى.
والشاهد أن الأمر تكرر مع “نوكيا” أيضا بين عامي 2008- 2009 بازدياد حجم التداول بشكل قياسي على أسهم الشركة في الفترة التي شهدت تراجع سعر السهم أيضا من فوق 26 يورو إلى مستوى دون 9 يوروهات.
وفي كلا الحالتين كان على المتداولين التنبه إلى تضافر العديد من العوامل التي أثرت على سعر السهم بما يؤدي لسيادة مزيج من بيع الهلع الحالي، والتشكك المستمر، بما يؤدي لاتجاه نزولي مستمر لسعره، أحيانًا بسرعة وبعض الوقت ببطء، ولكن التراجع يبقى الصفة الغالبة باستمرار، وعليه كان “معدل التداول” الاستثنائي المستمر بمثابة علامة تحذير على اتجاه متراجع في سبيله للاستمرار.
ولا يعني هذا أن الأسباب الحقيقية لتراجع سهم الشركة لم تكن كافية، ولكن التذبذب المستمر بين نزول سريع وآخر بطيء يؤكد عدم ثقة الأسواق بالكلية في سهم الشركة حينها (يتداول السهم في سبتمبر 2023 في مستوى دون 4 يوروهات بما يؤشر على صحة الاستنتاجات باستمرار تراجع السهم حتى مع محاولاتها للعودة مجددًا للواجهة).
المقارنة داخل القطاع
ومن العوامل الهامة للغاية مقارنة مكرر الربحية مع الشركات المشابهة في نفس القطاع، فعلى سبيل المثال تعد “تسلا” و”بي.واي.دي” وتليهما “فولكس فاجن” الشركات الرائدة في مجال السيارات الكهربائية عالميًا، حيث تتفاوت نسبة أول شركتين من السوق لكنهما تتراوح على 20% و15% على التوالي.
وعلى الرغم من ذلك وصل مكرر الربحية في “تسلا” إلى 1150 بينما لم يتعد الرقم نفسه في “بي واي دي” ربع هذا الرقم، وهو ما دعا كثيرين، وأبرزهم محللو شبكة “سي.إن.بي.سي” الأمريكية مثلا، للتحذير من أن أسهم تسلا تواصل الارتفاع بشكل مبالغ فيه حيث زادت بنسبة 1280% خلال السنوات الخمس الأخيرة بينما لم تتعد النسبة نفسها 400% لمنافستها الصينية.
ويبدو أن هذه التحذيرات بدأت تلاقي آذاناً صاغية من جهة، وبدأت الشركة في تحقيق أرباح أعلى من جهة أخرى، بما دفع معدل الربحية لسهم “تسلا” للتراجع التدريجي حتى أصبح في نطاق 70 خلال شهر سبتمبر 2023، ودون 30 لـ”بي.واي.دي”.
ويمكن القول إن هذا الأمر يعكس إدراك كثيرين أن شركات السيارات الكهربائية أصبحت واقعًا مستقرًا وبالتالي فإن الرهان على مستقبلها وتوسعها المضطرد (غير الواقعي) أصبح من الماضي، وأصبح الرهان الحالي على وضعها وتقييمها كغيرها من الشركات مع وضع وزن نسبي أكبر نسبيًا لتأثير احتمالات التطور لا سيما في البطاريات على سعر الأسهم.
ولذلك فعندما يبدو جلياً أن هناك منافساً واضحاً لديه مزايا نسبية مشابهة وحصة سوقية تنمو مع معدل ربحية أقل، فإن هذا قد يكون نذيرًا على أن سعر السهم ذا رقم مكرر الربحية الأعلى في سبيله للتراجع أو حتى للثبات النسبي في الفترة المقبلة في ظل تغير “المعادلة الرئيسية” التي قام عليها سعر السهم محل التحليل.
والملاحظ هنا أن اختلاف مكررات الربحية بهذا الشكل قد ساهم في اختيار “وارين بافيت” الشهير بـ”عراف وول ستريت” لأسهم الشركة الصينية للاستثمار فيها، وإن كان استثمارًا صغيرًا نسبيًا لكنه شكل موطئ قدم له للشركة في المستقبل.
أسهم “تنكشف” وأهمية الإدارة
ويجب التنبه أن مكرر الربحية قد يشهد تلاعبًا في بعض الشركات، حيث وصل الأمر إلى حد تقديرات أمريكية بأن 30% من الشركات قد تحظى بمكرر ربحية مضلل بسبب بعض التلاعب المحاسبي، الذي يكون “محدود التأثير” في بعض الحالات، وذا تأثير كبير في حالات أخرى، ولكنه في كل الأحوال يُسهم في تضليل المستثمر، ولذا يجب عليه قراءة تفاصيل الميزانيات والقوائم المالية للشركة لفترات سابقة بعناية.
وفي هذا الإطار يجب الانتباه إلى أن بعض الأسهم “تنكشف” سعريًا في ظل المبالغة في سعرها أو في تقييم تأثير “الابتكار” على سعر السهم، في ظل دراسة حديثة تربط بين الشركات المبالغ في تقديرها وبين توجه تلك الشركات لإجراء المزيد من الأبحاث والدراسات حيث تشير إلى أن أكثر من 70% من أكثر 500 شركة يمكن تصنيفها على أنه مبالغ في سعر أسهمها تنفق بسخاء وبنسب كبيرة من دخلها على الأبحاث والتطوير.
وتبرز قيمة الإدارة العليا للشركات في التأثير على سعر الشركات أيضا، ومن ذلك شركة “فولكس فاجن” التي أحدثت تغييرات في خططها الرئيسية بفعل تغير الإدارة قبيل الأزمة المالية العالمية بقليل، والتي وصل فيها سعر الشركة إلى ما دون 32 يورو للسهم في مارس 2009 قبل العودة إلى مستويات قرابة 248 يورو للسهم عام 2015.
فهل أحدثت الشركة تطورًا كبيرًا في المبيعات والأرباح والتوظيف والديون إلى حد يبرر ارتفاع سعر السهم أكثر من 775% خلال أقل من 6 أعوام؟ حدث تحسن بالطبع ولكن لا يبرر مثل هذا التحول القياسي وحده، والذي حدث عمليًا أن الأسواق بدأت تثق في الإدارة العليا للشركة وفي نجاعة خطتها للبقاء في سوق السيارات بكفاءة وربما توسيع الحصص السوقية وتقديم موديلات أكثر ربحية.
والشاهد أن هذه بعض المؤشرات الحيوية التي على المستثمر مراقبتها ليتأكد أنه لن يفاجأ بمنحنى هابط لسهم في حيازته بما يدفعه للبيع ومن ثم الخسارة، وليتمكن من تحقيق هدفه من الالتحاق بسوق الأسهم وهو تنمية أصوله.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.