السودان.. مجاعة وشيكة و100 مليار دولار خسائر



يشهد السودان الشقيق وضعًا كارثيًّا على كافة المستويات، بعد مرور عام على الحرب، التى توارت أخبارها خلف العدوان الصهيونى على قطاع غزة، على مدار مائتى يوم، الذى شغل المنطقة والعالم.

فى منتصف أبريل 2023، سقط السودان فى أتون الفوضى، عقب تصاعد التوترات بين الجيش وقوات الدعم السريع وتحولها إلى اشتباكات فى الشوارع فى العاصمة الخرطوم، وسرعان ما امتد القتال إلى جميع مدن وبلدات البلاد.

منذ ذلك الحين، أصبح السودان على شفا مجاعة حقيقية، بعد انهيار قطاعاته الاقتصادية الحيوية، حيث قُدرت خسائره بأكثر من 100 مليار دولار، أضف إلى ذلك نتائج الحرب الكارثية، التى تسببت فى أكبر أزمة نزوح فى العالم، إضافة إلى هروب رؤوس الأموال، ما أدى إلى تجفيف البلاد تقريبًا من النقد الأجنبى، وتعميق الأضرار الداخلية بفعل شحّ السيولة الأجنبية، لتهوى العملة الوطنية وتتآكل قدرتها الشرائية، وتقفز البطالة إلى مستويات قياسية، قدرها محللون بنحو 55%، فى وقت تغيب البيانات الرسمية بسبب الانهيار الذى لحق بالكثير من المؤسسات الحكومية.

كما تسببت الحرب المحتدمة منذ عام فى السودان الشقيق، فى نزوح أكثر من 8.5 مليون شخص من منازلهم، واضطرار عائلات للنزوح عدة مرات، بينما يكافح الناس للهروب إلى الدول المجاورة التى تعانى مشاكل اقتصادية وأمنية خاصة بها فى ظل انهيار شبكات إنتاج وتوزيع الغذاء وانعدام الأمن.

لذلك نتصور أن الحرب فى السودان أعادته عشرات السنوات إلى الوراء، وأضرَّت المعارك بالنشاط الاقتصادى، لينكمش الاقتصاد بنسبة 12% فى 2023، وفق تقديرات البنك الدولى، بينما يؤكد خبراء اقتصاد أن النسبة واقعيًا تصل إلى 20% فى ظل الأضرار الواسعة التى لحقت بمختلف الأنشطة الاقتصادية، ومن المتوقع أن يكون معدل الانكماش أكثر من مثلى ما حدث خلال الحروب فى اليمن وسوريا.

ما يشهده السودان هو شىء مؤسف، خصوصًا فى ظل تعرض البنية التحتية لأضرار بالغة، وانهيار خطوط الإمدادات، وإصابة النظام المصرفى الرسمى بالشلل، ما أدى إلى عدم دفع العديد من الرواتب، إضافة إلى أن ما يقرب من نصف السكان بلا دعم وفقًا لصندوق النقد الدولى.

لم تقف الأمور عند هذا الحد، بل قفزت الأسعار بشكل حاد فى معظم المناطق، فى حين أدى انقطاع التيار الكهربائى الذى ألقى باللوم فيه على الطرفين المتحاربين وتعطل شبكات المحمول إلى إعاقة عمليات الدفع عبر الهاتف المحمول التى يعتمد عليها كثيرون.

الآن، وبعد مرور عام من الحرب المدمرة، تنجرف أجزاء من البلاد إلى حافة المجاعة، حيث ترك الصراع قرابة 25 مليون شخص أو نصف عدد السكان تقريبًا فى حاجة للمساعدات، وفق البيانات الدولية، كما اختفت عن الوجود دولة المؤسسات، والآن نحن تحت شبح اللادولة، فلا مؤسسات اقتصادية ولا صحة ولا تعليم ولا خدمات.. فقط لا صوت يعلو فوق صوت الرصاص.

وبالعودة إلى طرفى الحرب، نجد قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، الذى يعدّ الحاكم الفعلى للسودان منذ العام 2021، ونائبه السابق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو المعروف بـ«حميدتى»، بعد أن أطاح الحليفان السابقان بالمدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة معهم، منذ خلعت الثورة الرئيس السابق عمر البشير فى العام 2019، لكنّهما اختلفا لاحقًا بشأن مسألة دمج قوات الدعم السريع فى الجيش.

الآن، لا تبدو ثمة حلول فى الأفق لإنهاء الاقتتال، رغم الجهود الدولية والإقليمية عمومًا، والمصرية على وجه الخصوص، بل يزداد الأمر تعقيدًا، بعد فرار مئات الآلاف إلى مصر وتشاد وجنوب السودان، فيما وصلت أعداد صغيرة إلى إثيوبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وأسهمت عمليات النزوح الواسعة فى فرار رؤوس الأموال إلى خارج البلاد لتعمق الأزمة، كما أثرت على النقد الأجنبى وسعر الدولار مقابل الجنيه، وما استتبع ذلك من تأثيرات سلبية كبيرة على الإنتاج وحركة الأسواق والأسعار، التى تضررت بالأساس نتيجة تدمير المصانع وانخفاض القدرة الإنتاجية وتقليل الصادرات وبالتالى قلة عائدات البلاد من النقد الأجنبى.

لكن أقسى ما يمكن ملاحظته فى تداعيات الحرب، هو تلك التداعيات الإنسانية الكبيرة على السكان المتضررين منها، حيث تتفاقم معدلات الفقر، التى لم يجدِ معها نفعًا تحذيرات الأمم المتحدة من كارثة إنسانية وشيكة فى السودان، على خلفية انهيار البنى التحتية للاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة وتفاقم انعدام الأمن الغذائى، بعد أن طال التدمير الكثير من المرافق الحيوية.

كما تسببت الحرب فى تهاوى الصادرات السودانية بنحو 60% مع إغلاق مطار الخرطوم ومعظم الموانئ الجافة ونقاط التجارة الحدودية، ما تسبب فى اضطراب سلاسل التوريد، تزامنًا مع تهاوى صادرات الذهب التى تعد مصدرًا مهمًا للنقد الأجنبى بنحو 50%، وبالطبع لم تنجُ كافة القطاعات الأخرى، مثل الطيران والبنوك وغيرهما.

 




اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading