- التبادل والاقتراض اللغوي بين العربية والفارسية وصل إلى استخدام العرب أسماء فارسية لمسميات في حين أن الفرس استخدموا أسماءها العربية
- هناك مفردات جميلة ومتنوعة تزيّن اللهجة الكويتية الدسمة وتزيد من غناها وتبعث في نفس المواطن الحنين والشوق إلى الماضي وذكرياته
يوسف غانم
انطلاقا من حرصه على توثيق الكلمات الفارسية التي دخلت على اللهجة الكويتية واللغة العربية، قام أستاذ اللغة الفارسية في جامعة الكويت سمير أرشدي بتأليف كتاب «التواصل اللغوي العربي – الفارسي.. اللهجة الكويتية نموذجا»، والذي ساهمت رابطة الصداقة الكويتية – الإيرانية في طبعه بحلة قشيبة دعما منها لتعزيز الوشائج الفكرية والتواصل الأدبي بين البلدين الصديقين، حيث يبرز فيه الكلمات المشتركة والتي يتم تداولها بين اللغتين.
وفي استهلاله للكتاب، يقول رئيس رابطة الصداقة الكويتية – الإيرانية محمد السنعوسي: المعروف عن مدرس اللغة الفارسية بجامعة الكويت د.سمير رشدي فرادته في اختيار الموضوعات التي يكتب فيها، بل وأكثر من ذلك حرصه على تنوع مراجعه من مصادر موثوقة وله باع طويل في المجال الذي يكتب فيه.
وأوضح السنعوسي أن المؤلف لم يترك كبيرة أو صغيرة الا وأوردها وأثرى الكتاب بها بتوثيقه الكلمات الفارسية التي دخلت على اللهجة الكويتية وأصبحت جزءا لا يتجزأ منها لكثرة استخدامها في معظم التداولات اللفظية، لدرجة أن الكثيرين لم يكونوا يعرفون أن هذه الكلمات ذات أصل فارسي فرضت نفسها بقوة وبتدرج تاريخي بفعل التواصل بين الشعبين الكويتي والإيراني عن طريق التجارة عبر البحر، وعن طريق الذين قدموا من إيران للاستقرار فيها طلبا للرزق.
التبويب السهل
وأشار السنعوسي إلى أن الأمر المهم الذي لا بد من التنويه إليه هو توثيق مثل هذا الموضوع بالشكل الذي سيطالعه القارئ والتبويب السهل الممتنع للكتاب من الألف إلى الياء، موضحا أن أرشدي بذل جهدا في تقريب لغة ولهجة مختلفتين كليا، رغم أننا نعرف أن كلمات فارسية ليست بالقليلة وردت في القرآن الكريم، ما يعني أن التداخل ليس مقتصرا على حقبة معينة ونعني بها حقبة القرنين التاسع عشر والعشرين، بل تمتد إلى تاريخ طويل، وبما يؤصل الترابط بين الشعب الإيراني والشعب العربي، ولا نقول الشعوب العربية التي كرسها سايكس وبيكو على الأرض، ولكنهما لم يتمكنا من تثبيتها على السكان.
ويقول السنعوسي إن ما يحدث من مستجدات تفرضها الأوضاع العالمية وتقلباتها لن يؤثر على العلاقات بين شعبين جارين تجاوزا الجغرافيا إلى مسارات أخرى تعزز الروابط – لمن يريد- دون أن تتأثر تلك الروابط بما تقوم به الدول الكبرى التي سيطرت بوضع اليد على بعض الدول بفعل المصالح والحصول على الثروات سواء بالتراضي أو بقوة الأمر الواقع، فالبحث عما يجمع بين الشعوب لا عما يفرق هو الوسيلة الوحيدة لتحصين المنطقة، وهذا الكتاب جزء من عملية التحصين لأنه يشرع الأبواب على العلاقات التاريخية التي على شعوب المنطقة التأسيس عليها من أجل مستقبل حافل بالتطورات والمتغيرات التي شهدناها في السنوات الأخيرة وبما يقطع الطريق أمام محاولات التفرقة والاستعداء.
أما المؤلف فيقول في تقديم الكتاب: إن اللهجة الكويتية على الرغم من سماتها العريقة وسيطرة اللغة الفصحى على زمامها باعتبارها أساس التحاور والتخاطب، إلا أن خوض مجال التجارة وركوب البحر والغوص اضطر السكان لمخاطبة الشعوب الأخرى والتأثر بآدابها، لاسيما أن تلك الرحلات البحرية تمتد طوال العام، الأمر الذي أدى لأن تحتضن اللهجة لعدد من مفردات اللغات الأخرى مع محافظتها على كيانها العربي الفصيح.
الاقتراض اللغوي
ويرى أرشدي أن التعاون والتواصل بين الشعبين المسلمين الإيراني والكويتي على مر القرون ووجود جاليات فارسية ساهمت في بناء التطور العمراني والحضاري للبلاد أدى إلى الاقتراض اللغوي والذي إن دل على شيء، فإنما يدل على حيوية اللهجة ومرونتها لاستيعاب مفردات دخيلة، الأمر الذي أدى الى ظهور لهجة كويتية مستقلة ساهم النشاط المسرحي الكويتي والإنتاج الغزير للمسلسلات التلفزيونية في انتشارها وشهرتها بين الدول العربية الأخرى، كما أن التواصل بين العربية والفارسية يعود إلى العصر الجاهلي، وهناك أكثر من خمسين كلمة فارسية في القرآن الكريم أكد وجودها علماء التفسير والحديث كجلال الدين السيوطي في كتابه «الإتقان» وأحصاها مؤخرا د.محمد اتونجي بجامعة حلب في كتاب سماه «معجم الألفاظ الفارسية في القرآن الكريم» وبقي هذا التمازج متواصلا حتى يومنا هذا، حيث تبين آخر إحصائية لمجمع اللغة الفارسية أن 56% من مفرداتها هي عربية أو ذات أصل عربي فما من لغة في الدنيا لم تطعم غيرها ولم تتطعم بغيرها، واللغة التي لا ترفد لغة جافة ضيقة المحيط واهية القدرة.
ويبين أرشدي أنه من خلال مراجعته للكتب التي درست اللهجة الكويتية قد رأى أن هناك العديد من الكلمات الفارسية المنسوبة إلى لغات أخرى بسبب عدم إطلاع المؤلف على الفارسي، فكلمة «تتن» منسوبة الى التركية و«تاوة» منسوبة الى الهندية، وهذا مجاف للعلم والحقيقة وبعيد عن النظرة البحثية والأكاديمية.
كما أن هناك مفردات جميلة تزين اللهجة الكويتية الدسمة وتزيد من غناها وتبعث في نفس المواطن الحنين والشوق إلى الماضي وذكرياته، وقد تبدو هناك بعض الكلمات غير المتداولة بين جيل الشباب اليوم، إلا أن قلة استعمالها لا يعتبر مبررا لإلغائها من الوجود، لاسيما المصطلحات البحرية في الصيد والغوص التي يمارسها اليوم غير الكويتيين على الأغلب.
ويقول المؤلف في ختام تقديمه: عليّ أن أعترف بأن الأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد حتى نحيط بكل خفايا وآداب هذه اللهجة الدسمة ودقائقها لكونها تستحق دراسات أعمق نظرا للدور الذي لعبته في كتابة صفحات مشرقة من تاريخ المنطقة، موجها الشكر لطلبة كلية الآداب بجامعة الكويت الذين أسهموا بإنجاح هذا المشروع، وإلى رابطة الصداقة الكويتية – الإيرانية في الكويت على مساهمتها في طباعة الكتاب بهذه الحلة.
التبادل والاقتراض اللغوي بين العربية والفارسية
يقول سمير أرشدي: إن الطريف في الأمر أن التبادل والاقتراض اللغوي بين العربية والفارسية وصل إلى استخدام العرب أسماء فارسية لمسميات في حين أن الفرس استخدموا أسماءها العربية، وعلى سبيل المثال نورد بعض الأمثلة منها:
٭ في العربية نسمي التقويم «روزنامة» وهي كلمة فارسية تعني صحيفة اليوم وبياناته بينما تستعمل في الفارسية كلمة «تقويم».
٭ في العربية نسمي الإنعام المقدم للعامل أو الخادم «بخشيش» وهي كلمة فارسية بنفس الدلالة في الفارسية يقولون «إنعام».
الكهرباء كلمة فارسية تعني القدرة المغناطيسية الناجمة عن ضرب حجرين ببعضهما فيجذبا التبن والقش، بينما الفرس يطلقون على هذه الطاقة كلمة عربية وهي «برق».
٭ «دستور» كلمة فارسية بمعنى القانون الأساسي للدولة نستعملها في العربية، بينما في إيران تستعمل كلمة «قانون أساسي» بمعنى الدستور.
المصدر
المصدر الأصلي هو المعني بصحة الخبر من عدمه
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.