لا يسلم منها الخبراء خرافات في سوق الأسهم


ربما يكون من نافلة القول التأكيد على سعي “مقتحمي” سوق الأسهم لتحقيق الأرباح، ولكن من المعلوم أيضًا أن غالبية من يدخلون السوق يفشلون في تحقيق هدفهم، ليثار التساؤل عن أسباب ذلك، حيث يلقى المتداولون باللائمة على عديد  من الأسباب، دون أن يكونوا هم أنفسهم من بين تلك الأسباب في غالبية الحالات.

ولعل أهم الأسباب التي تؤذي الكثير من المتداولين في سوق الأسهم هو سيادة بعض “الخرافات” في السوق والتي تؤدي بهم في النهاية إلى خسارة الأموال بدلًا من تنميتها، ونتناول فيما يلي أبرز تلك الخرافات التي تحيد بالمتداول عن طريقه للربح.

“بعض” المعرفة أفضل من الجهل

هل قليل من المعرفة أو بعض من المعرفة بأسس الاقتصاد وأسواق الأسهم  أفضل من الجهل التام بها إذا كان الشخص ينتوي التداول في الأسهم؟

تفيد الدراسات أن غالبية من يخسرون أموالهم في أسواق الأسهم، قرابة 98%، هم من يعرفون “بعض” قواعد الاقتصاد والارتباط بين الشؤون المالية والاقتصادية، بل ويطالع الكثير منهم نشرات اقتصادية وأخرى خاصة بقواعد التعامل في الأسواق ويقضي بعضهم أوقاتًا في الاستماع لمحللي الأسواق باستمرار.

بل كثيرا ما يكون الجهل التام بقواعد السوق دافعاً لمحاولة أخذ الاستشارة وتنويع الاستثمارات بين سوق الأسهم واستثمارات أكثر استقرارًا مثل العقارات أو الاستثمارات المباشرة.

هناك “مسيطرون” على السوق لا يمكن هزيمتهم

عندما طرح السؤال حول وجود مسيطرين على السوق على رئيس مجلس إدارة شركة ” بركشاير هاثاواي ” “وارين بافيت” من قبل مستثمر في السوق الأمريكي، سأله “بافيت” ولماذا تستمر في استثمار أموالك في البورصة، ولا تبحث عن مصادر استثمار بديلة بدلا من الشكوى من قواعد لعبة تراها غير عادلة بالنسبة لك.

وهنا قال “بافيت” عبارته الشهيرة بأن سوق الأسهم ليست كـ”علم الصواريخ”، في إشارة إلى أن الجميع يمكنهم إتقان قواعدها، ولكنه شدد على أن الأمر يستلزم جهدًا في التأسيس وآخر في المتابعة، وعلى المستثمر تقييم ما إذا كانت استثماراته كبيرة بما يكفي بحيث يخصص لها هذه الأوقات أم لا.

وفي هذا الإطار تشير الدراسات إلى أن أكثر من 70% من المتعاملين في سوق الأسهم ينظرون إليها بوصفها “لعبة صفرية”، أو “zero sum- game”، بمعنى أنه يستمر في “المغامرة” بأمواله رغم تعدد المؤشرات على الخسارة، وذلك لأنه لا يرى “مخرجًا إلا بارتداد السهم الذي يمسك به صاعدًا”.

وبشكل عام فإن سيطرة تفكير “المؤامرة” على المتعاملين يؤثر عليهم سلبًا، فالمؤكد أن سوق الأسهم قد تشهد بعض التلاعب، لكن هناك طرق للتعامل معها يجب أن يعرفها المتداول، ولكن سيطرة فكرة وجود عوامل خارجة عن سيطرتهم تؤذي أكثر من 80% من المتعاملين في السوق لأنهم ينسبون الفشل إلى غيرهم دائما- والمفارقة أنهم ينسبون النجاح إلى أنفسهم.

عندما يرتفع السوق 50% فإنه يعود ليهوي 25%

للمنحى الصاعد أو الهابط تأثيران على المتداولين، الأول هو على النسبة الغالبة، قرابة 70% وفقا للدراسات، حيث لا يرون للمنحنى الصاعد انكسارًا ولا ينتظرون ارتفاع المنحنى المتراجع ولو ظهرت دلائل على قرب ذلك.

أما النسبة الباقية فتدخل السوق عكس الاتجاه، ولكن غالبيتهم لا يستطيعون تحديد نقطة التدخل الصحيح فيشترون سهمًا متراجعًا أملا في ارتداده صعودًا دون دراسة كافية لعوامل السهم الأساسية واتجاهات السوق منه.

وقامت دراسة على المستثمرين “الأكثر خبرة” (هؤلاء الذين قضوا عامًا على الأقل في سوق الأسهم) بمراجعة هذه النظرية حيث قدموا افتراضين للمستثمرين ليختاروا بينهما:

– سهم ارتفع من مستوى 10 ريالات إلى مستوى 50 ريالًا خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.

– سهم انخفض من مستوى 50 ريالًا إلى مستوى 10 ريالات خلال الأشهر الاثني عشر الماضية.

وتم منح المتداولين معلومات متطابقة عن الشركتين (لكن مع اختلاف نسبي في بعض الأرقام لكن مع بقاء النسب واحدة) وتم مطالبتهما بالاختيار بين السهمين، ليختار 76% من المتداولين (الأكثر خبرة) السهم الثاني أملًا في ارتفاعه مجددًا.

وفي السوق الأمريكية على سبيل المثال فإن أكثر من نصف المتعاملين يعتقدون أن وصول المنحنى إلى أدنى نقطة خلال عام هو نقطة الشراء المناسبة، وفي المقابل فإن بلوغ المنحنى مستوى قياسياً في عام هو نقطة البيع الملائمة أيضا.

وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب لم يساعد 90% من مستخدميه على تحقيق الأرباح في السوق –نظرًا لعدم دراستهم للسوق بشكل واف ولكن الاعتماد على تحليل مستويات الأسعار فحسب- إلا أنهم يظلوا متمسكين به اعتقادًا بأنهم فقط لم يحالفهم “الحظ” سابقًا وأن الأسلوب يبقى فعالًا مع غيرهم.

ولا شك أن أهم ما يفند هذه النظرية هي حقيقة أن عشرات الأسهم إن لم يكن مئات لا تتبع هذا الشكل البياني في الصعود والارتداد بنسب معينة، وأن الرهان المستمر على “الروح المعنوية” للسوق فحسب (وهي مهمة ولكن ليست منفردة) لا يؤدي لتحقيق النجاح في السوق.

سوق الأسهم لتحقيق الربح السريع

لعل هذه هي الخرافة الأكبر للكثير من الملتحقين بسوق الأسهم، حيث إن 70% منهم يحاولون تحقيق أرباح سريعة تلهمهم في ذلك حكايات غير حقيقية عن أرباح قياسية حققها متداولون آخرون، يروجها سماسرة السوق وبعض الذين يرغبون في زيادة أعداد المتداولين “غير الخبراء” في السوق.

ويقول “باتريك ماكجينيز”  الخبير في “مونيتا جروب” للاستثمار أن أحد أكبر الأخطاء التي يرتكبها العديد من المستثمرين هو الاعتقاد في إمكانية تحقيق الثروات من خلال التحليل الفني فحسب، مضيفا أنه منذ أكثر من قرن من الزمان برزت أسماء عدة على صعيد تحقيق الثروات من سوق الأسهم، وفي بادئ الأمر حقق كثيرون أرباحًا قائمة على “الذكاء الفطري” واستقراء اتجاه سوق الأسهم، ولكنّ أحدًا من الأسماء الأكثر تحقيقًا للنجاح في سوق الأسهم خلال الخمسين عامًا الماضية على الأقل لم تعتمد على المضاربة.

ويضيف “جيف تساي”، خبير استثماري أسس تطبيقًا لمساعدة المتداولين أنه مع تنوع الاستثمارات في الأسهم وتنويع المحفظة يكون من الصعب على بعض المستثمرين حساب أموالهم بالضبط ليلجؤوا للحساب اليومي ولكنّ كثيرين يخطؤون في طريقة الحساب.

ويضرب “تساي” مثلًا بأنه إذا انخفضت أسهم شركة بنسبة 10% بالأمس، ولكنها ارتفعت بنسبة 10% اليوم، ربما تظن أنك عدت الآن إلى ما كنت عليه قبل يومين، لكن هذا ليس صحيحا، إذا بدأت بمبلغ 100 دولار قبل يومين، وخسرت 20% (أو 20 دولارًا) بالأمس، ثم ربحت 20% اليوم، فلن يكون لديك سوى 96 دولارًا (20% من الـ80 دولاراً تساوي 16 دولارًا).

ويضيف في الواقع، كنت بحاجة إلى ربح بنسبة 25% للعودة إلى 100 دولار، 25% من 80 دولارًا يساوي 20 دولارًا، ويقول “تساي” إنه يجب على المستثمرين أن يحذروا لأن عقولهم كثيرا ما تخدعهم بأشكال مختلفة بما في ذلك أخطاء المحاسبة العقلية.

أموال الأسهم لـ”التجربة”

كثيرًا ما يقدم المتداولون على سوق الأسهم بطريقة أنها “محاولة” لزيادة حصيلتهم المالية دون بذل جهد حقيقي في البحث، وتشير الدراسات إلى أن 40% من المتعاملين في سوق الأسهم على الأقل –ترتفع النسبة أكثر من ذلك في بعض الأوقات والأسواق- يتعاملون مع سوق الأسهم كما لو كان محلًا لاختبار “الحظ” والتوفيق وليس محلًا للاستثمار.

وفي هذا الإطار يشير كتاب “سيكولوجيا المال: دروس لا تقدر بثمن عن الثروة والطمع والسعادة” إلى أن “خرافة” كثيرين في سوق الأسهم تأتي من مفهوم “الدخل السلبي”، فعلى الرغم من أن المقصود به أنك تحصل على أموال دون عمل يومي، ولكنه لا يعني أنك ستحصل عليها دون بذل جهد كاف.

ويشير مؤلف الكتاب “مورجان هوزل” إلى أن خرافة الحظ في سوق الأسهم تؤدي بـ 70% من المتعاملين فيه على الأقل إلى الحزن لأن الشخص يعتقد بأن حظه عثر، وهو أمر لا يمكن أن يكون مدعاة للفرح، ويستمر دون تغيير في استراتيجيته ويحصد الخسائر لأنه في النهاية يرى الأمر كله محض “حظ” (يشرح “هوزل” في كتابه كيف يؤدي النجاح بالمقابل إلى السعادة في غالبية الحالات).

وفي النهاية يقول “بول ملادجينوفيك” في كتابه الشهير “الاستثمار في الأسهم للأغبياء” (بمعنى تقديم دليل للاستثمار) أن الأزمة الحقيقية أن “خرافة واحدة” من شأنها أن تطيح باستثمارات المتداول كلية في سوق الأسهم، ولذلك فإن على من يدخل السوق أن يتأكد أولًا من قدرته على تجاوز كافة الخرافات بلا استثناء.


اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading