قال أ.د شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنَّ مَوْلد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتطلب أن نذكر فيه كل خير، كونه عليه الصلاة والسلام كان مثالًا للخير كله منذ طفولته الأولى عندما أقبلت عليه حليمة السعدية لتأخذه للرضاعة فوقع حبه في قلبها وكان أحب إليها من أبنائها، وكان كلُّ مَن يراه يحبه، وعندما يلعب مع الأولاد في طفولته يحبه الأطفال والأمهات، فقد كان نموذجًا للطفل المحبوب.
وأضاف أن الرعاية الإلهية ربَّت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وألقت في قلوب الناس محبته، وعندما صار شابًّا قويًّا كان يسير بين الناس صادقًا أمينًا معروفًا بين الناس بهذه الصفة، ليكون المحرك لقادة قريش لأنهم عرفوه بالصادق الأمين، فكان حجة عليهم لأنهم لم يعرفوا عنه كذبًا قط، وكانوا يضعون الأمانات التي يخشون عليها وديعة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وتابع: لما اختلفوا أين يوضع الحجر الأسود بعد إعادة بناء الكعبة احتكموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن من يقوم بهذا الأمر ينال الشرف ويدخل التاريخ، وكادوا أن يقتتلوا، لأن كلًّا منهم أراد أن ينفرد بهذا الشرف، فحكَّموا النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وكان أول داخل عليهم، فلما رأوه قالوا: جاء الصادق الأمين، ففرحوا بذلك فرحًا يفصح عن حقيقة جوهر شخصية النبي صلى الله عليه وسلم وارتاحت إليه القلوب.
وأشار المفتي إلى أن حكمة النبي صلى الله عليه وسلم كانت واضحة في هذا الموقف حيث أشركهم جميعًا ولم يستثنِ أحدًا منهم، فجاء برداء وجعل كل رجل يمسك طرفًا منه وبه الحجر الأسود، ثم وضع الحجر الأسود بيديه الشريفتين في مكانه.
كما أشار إلى أن كُتَّاب السيرة النبوية المشرفة كان لكل منهم تأمل في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومواقفه، مؤكدًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان نموذجًا للحياة كلها، ولذلك يقول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، ففي كل تفاصيل حياته كان قدوة وأسوة حسنة في كل أموره: في بيته وصلواته وعلاقاته بجيرانه، وبالأطفال والبيئة والحيوان والجماد وكل تصاريف الحياة، ومن ثم نجد في كل ذلك الراحة والسكينة إذا ما تلمسنا هذا الاقتداء.
وأوضح شوقي علام أن سيدنا عبد الله بن عمر كان شديد الاقتداء بالنبي حتى كان يسير مثله، والصحابة رصدوا كل شيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم، حتى الأمور الخاصة جدًّا في الحياة الزوجية، حتى إن الصحابة كانوا يصفون ابتسامة رسول الله وأنه كان يضحك حتى تظهر نواجذه، وكيف كان هناك أربع شعرات بيض في لحيته، ووصفوا إناءه وشربه.
وأضاف: الصحابة الكرام كان لديهم اهتمام خاص بكل التفاصيل المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وسلم وكأنهم يقولون لنا: نحن رصدنا لكم كل شيء عن رسول الله فاجعلوه في حياتكم؛ ذلك لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان نورًا، والله يقول: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [المائدة: 15]، والمفسرون أكدوا أن هذا النور هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقال: إننا لا نستطيع أن نعيش البيئة التي عاشها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن نستطيع أن نعيش تفاصيل أخلاق النبي ومنهجه في كافة تفاصيل الحياة، فقد كان النبي هينًا لينًا، وكان الطفل يأخذه من يديه حتى يقضي حاجته له، فقد كان رءوفًا رحيمًا.
ونبَّه مفتي الجمهورية الأزواجَ ليتذكروا كيف كان يعامل النبي صلى الله عليه وسلم زوجاته ويهتم بهنَّ، وكيف كان يهتم بالأطفال، قائلًا: “نريد أن نعيد الحوار والدفء مرة ثانية إلى الأسرة، وأن نبتعد عن الفضاء الإلكتروني الذي ضيَّع الكثير من القيم وضيَّع الكثير من الشباب الذي أصبح في حالة التلقِّي فقط دون خوض تجربة النقاش والتعلم، فأصبحت المعلومات على الفضاء الإلكتروني بمثابة حوار من طرف واحد، وانعكس ذلك على الأسرة وعلى الأبناء والأصدقاء”.
وأشار إلى أن سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مليئة بخُلق الصفح والعفو، فعندما نزل إليه ملَك الجبال وقال له: لو شِئت أن أُطبق عليهم الأخشبين -الجبلين- لفعلت، ورغم إيذاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشديد في هذه المرحلة فقد صبر وتحمل هو وصحابته الكرام، وقال: لعلَّ الله يُخرج من أصلابهم مَن يقول لا إله إلا الله، ثم دعا وقال: “اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون”، موضحًا أن المنهج النبوي تمتع بالنظرة المستقبلية للأمور واستشرف المستقبل وأبعاده، فكانت نظرته دائمًا إلى المستقبل المشرق الذي يصل فيه الدين إلى العالمين.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.