التوترات الجيوسياسية ترفع أسعار الغاز بصورة


ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى أعلى مستوياتها المسجلة في ثمانية أشهر بعد أن أدت حالة عدم اليقين إلى إحداث صدمة هزت الأسواق بسبب الاضطرابات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط على خلفية الحرب على غزة.

وأدى الصراع إلى إغلاق حقل غاز تمار في البحر المتوسط، كما ساهمت المخاوف من التدخل والتخريب بعد رصد تسرب في خط أنابيب الغاز في بحر البلطيق الذي ينقل الغاز بين فنلندا إلى إستونيا في تعزيز حالة عدم الاستقرار التي مرت بها أسواق الغاز الطبيعي.

وشهدت أسعار العقود الآجلة للغاز الطبيعي الهولندية والتي بلغت 36.650 يورو لكل ميغاواط/ الساعة، قفزة بنسبة 36% لتصل إلى 49.9 يورو لكل ميغاواط/ الساعة في 23 الجاري، إلا أنه على الرغم من هذه الزيادة المفاجئة التي شهدتها أسعار الغاز الطبيعي مؤخرا نتيجة حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، اتخذت أسعار الغاز الطبيعي اتجاها هبوطيا.

وقبل بداية ظهور حالة عدم الاستقرار الأخيرة في الشرق الأوسط، كانت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا واقعة بالفعل تحت الضغوط مقارنة بأسعار الغاز الطبيعي الآسيوية والأميركية التي شهدت ارتفاعا خلال الربع الثاني من العام الحالي.

ظلت أسعار الغاز الطبيعي تحت الضغط خلال الأشهر التسعة الأولى من 2023 مقارنة بالمكاسب الكبيرة التي شهدتها العام الماضي جراء الصراع الروسي الأوكراني الذي دفع الأسعار إلى مستويات قياسية، وانخفض مؤشر الغاز الطبيعي الشهري للبنك الدولي بنسبة 62.1% خلال التسعة أشهر الأولى من العام الحالي، مما يؤكد ضعف المعنويات العالمية تجاه الغاز الطبيعي واستقرار أسعاره بعد عام مضطرب. كما كان للمخاوف المتعلقة بتباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي تأثير سلبي على الطلب على الغاز الطبيعي، مما أدى بدوره إلى فرض ضغوط هبوطية على أسعار السلعة.

وفي أحدث تقاريره الخاصة بآفاق نمو الاقتصاد العالمي، خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي بمقدار 10 نقاط أساس للعام 2024 إلى 2.9% مقارنة بتوقعاته السابقة في يوليو 2023. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن تتباطأ وتيرة نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي من نسبة 2.5% سنويا في الفترة الممتدة ما بين 2017 إلى 2021 إلى متوسط نمو معدل بنسبة 1.6% خلال الفترة ما بين عامي 2022-2026.

وفيما يتعلق بأداء الأسعار الشهرية، فإنه ووفقا للبنك الدولي، انخفضت أسعار الغاز الطبيعي الأميركي لشهر سبتمبر 2023 بنسبة 66.0% على أساس سنوي لتصل إلى 2.64 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وبالمثل، انخفضت أسعار الغاز الطبيعي الأوروبي لشهر سبتمبر 2023 بنسبة 80.5% على أساس سنوي بمتوسط شهري بلغ 11.55 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في حين انخفض المتوسط الشهري لسعر الغاز الطبيعي المسال الياباني لشهر سبتمبر 2023 بنسبة 42.4% على أساس سنوي ليصل إلى 12.50 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.

في المقابل، سجلت أسعار الغاز الطبيعي وأسعار العقود الفورية للغاز الطبيعي المسال في أوروبا اتجاها صعوديا، مسجلة نموا خلال شهري أغسطس وسبتمبر 2023 حتى قبل اندلاع الحرب على غزة، وتعزى تلك الزيادة في أسعار الغاز بصفة رئيسية إلى إضراب العمال في منشأتي «جورجون» و«ويتستون» للغاز الطبيعي المسال التابعتين لشركة شيفرون في أستراليا.

وعلى صعيد الطلب، يتوقع التقرير الأخير الصادر عن منتدى الدول المصدرة للغاز أن تحافظ أسعار الغاز الطبيعي على اتجاهها التصاعدي على مدار الأشهر القليلة المقبلة نتيجة للزيادة المتوقعة في الطلب على الغاز الطبيعي المسال في آسيا بالإضافة إلى الصراع الذي اندلع مؤخرا في الشرق الأوسط والذي يخشى أن يؤدي إلى تفاقم حالة عدم استقرار سوق الغاز الطبيعي.

بالمقارنة، زاد استهلاك الغاز في الولايات المتحدة بنسبة 3% على أساس سنوي خلال شهر سبتمبر 2023 بدعم من تزايد استهلاك الغاز الطبيعي في القطاع السكني الذي سجل ارتفاعا بنسبة 1% على أساس سنوي. وبالمثل، سجل استهلاك الغاز في القطاعين التجاري وتوليد الطاقة في الولايات المتحدة نموا خلال الشهر بنسبة 1.8 و6.3%، على التوالي.

وعلى جانب العرض، من المتوقع أن يشهد إنتاج الغاز الطبيعي العالمي نموا هامشيا بنسبة 1.2% في 2023، ومن المتوقع أن يكون مصدر هذا النمو بصفة رئيسية كل من أميركا الشمالية والشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ وأفريقيا، وذلك لأن إنتاج الغاز الأوروبي آخذ في التناقص حتى الآن طوال العام 2023.

ووفقا لمنتدى الدول المصدرة للغاز، من المتوقع أن ينخفض إنتاج الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 4.2% في 2023 ليصل إلى 222 مليار متر مكعب، بينما من المتوقع أن يرتفع إنتاج الغاز الطبيعي في أميركا الشمالية بنسبة 4.2% ليصل إلى 1281 مليار متر مكعب.

من جهة أخرى، من المتوقع أن ينخفض إنتاج الغاز الطبيعي في رابطة الدول المستقلة بنسبة 3% ليصل إلى 794 مليار متر مكعب خلال العام.

وفي ظل تراجع الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا، انتعش الطلب على الغاز في آسيا مرة أخرى خلال التسعة أشهر الأولى من العام. وفي أغسطس 2023، ارتفع الطلب على الغاز الطبيعي في الصين بنسبة 11% على أساس سنوي ليصل إلى 33 مليار متر مكعب، مما يؤكد استمرار انتعاش النشاط الاقتصادي في الصين.

بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يقابل ارتفاع الطلب على الغاز الطبيعي في القطاعات الرئيسية للاقتصاد (السكني والصناعي) انخفاض إنتاج الكهرباء من الغاز الطبيعي بنسبة 1% على أساس سنوي خلال شهر أغسطس 2023. وفي هذا السياق، سجل استهلاك الغاز الطبيعي في الصين نموا بنسبة 7.4% على أساس سنوي إلى 260 مليار متر مكعب خلال الثمانية أشهر الأولى من 2023، إلا أنه هناك بعض المخاوف من أن النمو القوي والمستمر الذي يشهده الطلب على الغاز الطبيعي في الصين قد يحيد عن مساره نتيجة لاعتدال درجات الحرارة في شهري أكتوبر ونوفمبر من العام الحالي. بالمقارنة، نما الطلب على الغاز الطبيعي في الهند طوال الثمانية أشهر الأولى من العام. ووفقا للمنتدى، ارتفع استهلاك الغاز الطبيعي في الهند بنسبة 6% على أساس سنوي ليصل إلى 6.1 مليارات متر مكعب في أغسطس 2023 فيما يعزى بصفة رئيسية إلى قفزة استهلاك الغاز في قطاع توليد الطاقة بنمو بلغت نسبته 84% على أساس سنوي خلال الشهر.

ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، شهد استهلاك الغاز الطبيعي بصفة عامة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ نموا بنسبة 2.5% أو ما يعادل نحو 12 مليار متر مكعب خلال الثمانية أشهر الأولى من العام 2023، بقيادة الصين التي كانت الدافع الرئيسي لزيادة الطلب في المنطقة.

ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، سيظل الطلب العالمي على الغاز الطبيعي ضعيفا خلال العام نتيجة لعدم توافر إمدادات غاز إضافية على خلفية انخفاض إمدادات الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا. ومازال هناك فارق يقدر بنحو 18 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال لتعويض الفجوة التي تزيد على 35 مليار متر مكعب والتي خلفها انخفاض إمدادات خطوط الأنابيب الروسية.

ومن المتوقع أن يشهد استهلاك الغاز الطبيعي في أميركا الشمالية، أكبر سوق للغاز على مستوى العالم، انخفاضا تدريجيا. وشهد الطلب على الغاز الطبيعي في هذه المنطقة نموا بنسبة 12% في المتوسط خلال الفترة الممتدة ما بين 2017 و2021، بدعم رئيسي من اتجاهات التحول من استخدام الفحم إلى الغاز في الولايات المتحدة الأميركية وكندا.

وشهدت منطقة أميركا الشمالية زيادة بنحو 5% أو ما يعادل 53 مليار متر مكعب في استهلاك الغاز خلال عام 2022 مقارنة بالمستويات المسجلة في عام 2021 بسبب ارتفاع استهلاك الغاز في قطاع توليد الطاقة، وكذلك بالقطاعين السكني والتجاري.

وبالنسبة لعام 2023، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن تتباطأ وتيرة نمو الطلب على الغاز الطبيعي في منطقة أميركا الشمالية، حيث يقابل انخفاض استهلاك الغاز في القطاعات الصناعية والتجارية والسكنية ارتفاع استهلاك الغاز في قطاع توليد الطاقة، كما أشارت الوكالة إلى انخفاض الطلب على الغاز في المنطقة بنسبة 0.5% في المتوسط سنويا خلال الفترة الممتدة ما بين 2022 و2026.

بالمقارنة، شهد الطلب على الغاز الطبيعي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ نموا بنسبة 4% على أساس سنوي خلال الفترة الممتدة بين 2017 و2021 حيث حافظت المنطقة على مكانتها في تحديد وتيرة نمو الطلب العالمي على الغاز الطبيعي على خلفية قوة النمو الاقتصادي للمنطقة، وبدعم من سياسة الصين التي تتعهد بتحويل محطات توليد الطاقة التي تعمل بالفحم إلى محطات توليد الطاقة باستخدام الغاز.

وفي أحدث تقاريرها بعنوان توقعات الطاقة على المدى القصير، توقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يرتفع استهلاك الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في عام 2023 بنسبة 0.8% مقارنة بمستويات الاستهلاك في عام 2022 عند 89.17 مليار قدم مكعبة يوميا (2.53 مليار متر مكعب يوميا) مما يعكس استقرار الاستهلاك المتوقع بصفة عامة في البلاد، كما تقدر إدارة معلومات الطاقة الأميركية وصول إنتاج الغاز الطبيعي المسوق في الولايات المتحدة إلى 103.72 مليار قدم مكعبة يوميا (2.93 مليار متر مكعب يوميا) في 2023، أي بنمو تصل نسبته إلى 4.1% مقارنة بمستويات عام 2022.

على الصعيد القطاعي، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن تصل حصة الغاز الطبيعي الأميركية من توليد الكهرباء إلى نسبة 42% في 2023 مقابل 39% في 2022 قبل أن تنخفض إلى نسبة 41% في 2024.

وفيما يتعلق بأسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة، تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يصل متوسط سعر عقود هنري هاب الفورية للغاز الطبيعي إلى نحو 2.61 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في 2023 قبل أن يرتفع إلى 3.23 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في 2024 على خلفية زيادة الطلب المتوقع على صادرات الغاز الطبيعي المسال، والتي يتوقع لها أن تصل إلى أعلى مستوياتها المسجلة على أساس سنوي في 2023.

كما تتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية تزايد صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 20% في 2023 لتصل إلى 12.8 مليار قدم مكعبة يوميا (0.362 مليار متر مكعب يوميا) نتيجة لارتفاع صادرات الغاز الطبيعي المسال وكذلك صادرات الغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب إلى المكسيك.

وتمكنت الولايات المتحدة من تصدير المزيد من الغاز الطبيعي المسال أكثر من أي دولة أخرى خلال الستة أشهر الأولى من 2023.

أما على مستوى منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، وقعت قطر مؤخرا عقدا للغاز الطبيعي المسال مدته 27 عاما مع شركة إيني الإيطالية، وهو العقد الثالث من نوعه الذي توقعه قطر مع شركة أوروبية هذا الشهر، ووفقا لتقارير صادرة عن وكالة بلومبرغ، ينص العقد على تسليم نحو 1.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال سنويا إلى الوحدة العائمة لتخزين الغاز الطبيعي في ميناء بيومبينو الإيطالي. وقد سبقت هذه الصفقة توقيع قطر لصفقات مماثلة مع شركة توتال انرجيز وشركة شل في أكتوبر 2023.

وفي ظل مساعي الدول الأوروبية لملء منشآت تخزين الغاز الخاصة بها استعدادا لفصل الشتاء الثاني بدون إمدادات خط الأنابيب الروسي للغاز الطبيعي، أصبحت قطر واحدة من الدول القليلة، إلى جانب أستراليا والولايات المتحدة الأميركية، القادرة على توصيل الغاز الطبيعي المسال اللازم إلى الدول الأوروبية.


اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading