كيف يقدم أغنى رجل في العالم نموذجا للاستثمار


 

بين الرغبة في الربح السريع، والأرباح المتصلة المستقرة، تتفاوت أهداف الملتحقين بسوق الأسهم، وبناءً على اختلاف الأهداف تتباين المؤشرات التي يتابعها كل فريق، فالأول يبقي عينه على الشاشات باستمرار، ترقبًا لصعود وهبوط، والثاني يهتم بالمؤشرات الأساسية دونما انشغال كبير بالتطورات اليومية.

وبشكل عام تؤثر مجموعة متنوعة من العوامل على سعر السهم في السوق، ويمكن تقسيمها إلى مجموعتين رئيسيتين، وهما العوامل قصيرة المدى والعوامل طويلة المدى.

ما هي العوامل القصيرة والطويلة؟

العوامل قصيرة المدى هي تلك التي تؤثر على سعر السهم في غضون فترة زمنية قصيرة، مثل يوم أو أسبوع أو شهر.

وتشمل هذه العوامل: الأخبار والأحداث، مثل إعلان أرباح الشركة، أو إصدار تقرير إيجابي أو سلبي عن الشركة، أو حدث سياسي أو اقتصادي عابر، والتحليل الفني، الذي يدرس أنماط الأسعار التاريخية للتنبؤ باتجاهات المستقبل، والطلب والعرض، حيث يؤدي ارتفاع الطلب على سهم ما إلى ارتفاع سعره، والعكس صحيح.

أما العوامل طويلة المدى هي تلك التي تؤثر على سعر السهم على مدى فترة زمنية طويلة، أو لعدة سنوات أو عقود، وتشمل هذه العوامل: الوضع المالي للشركة، مثل الربحية والنمو والاستقرار المالي، وقطاع السهم، حيث تميل الأسهم في القطاعات ذات النمو القوي إلى الأداء بشكل أفضل من الأسهم في القطاعات ذات النمو البطيء أو السلبي، والظروف الاقتصادية، مثل معدلات الفائدة والتضخم والنمو الاقتصادي.

 ترقب البيانات والمنحنيات

 والشاهد هنا أن 85% من المتعاملين في الأسواق على الأقل يبقون أعينهم على المؤشرات قصيرة المدى، ولذا فإن كثيرين منهم يستخدمون مصطلحات مثل “أنا في السوق” أو “أنا خارج السوق” حيث يدخلون السوق لدى ارتفاعه (أو ارتفاع الأسهم التي يقبلون عليها) ويخرجون عندما تنخفض وبالتالي تبقى أعينهم باستمرار على السعر أو المنحنى.

 ويعتقد أكثر من 80% من المتعاملين في السوق الأمريكي على سبيل المثال أن “التاريخ يكرر نفسه باستمرار، وهو ما يجعلهم يؤمنون بشدة بأساليب التحليل الفني من البيع عند وصول السهم لقمة سعره خلال عام، والشراء عند وصوله لقاع سعري خلال عام أيضا، ويرصد البعض حتى التحركات في نطاقات أضيق تصل لأيام فحسب.

 ويترقب البعض أيضا بيانات الشركات ليشتري عند صدور بيانات مشجعة، ويبيع عند صدور بيانات محبطة، حيث تؤثر البيانات ربع السنوية على قرارات 74% من المتعاملين في سوق الأسهم الأمريكية، ويعتبرونها وسيلة لإرشادهم للاستمرار في الشركة من عدمه (رغم أن بيانًا واحدًا -على أهمية بعضها- لا يكفي بالطبع لأنه قد يكون بمثابة طفرة عابرة أو تراجع مؤقت في المكاسب ولا يمكن البناء عليه).

 العوامل طويلة المدى و”أغنى رجل في العالم”

 هذا عن العوامل قصيرة المدى، والتي تشير الدراسات إلى أن أقل من 2% ينجحون في تحقيق الوفورات منها، بما يمكن إرجاعه هنا إلى “الحظ” وليس العمل، وهي نسبة ضئيلة للغاية تحول السوق لدى البعض إلى محاولات “رهان” وليس استثماراً، أما التركيز على العوامل الطويلة فهو فقط من يجلب الثروات الحقيقية.

 وعلى سبيل المثال ملأ اسم “برنارد آرنو” التقارير الاقتصادية في الأيام الماضية بسبب تصدره لقائمة “فوربس” لأغنى أغنياء العالم بشكل مفاجئ بما أثار استفهامات حول كيفية توصله لهذه المكانة العالية وظهوره المفاجئ على الساحة بهذا الشكل اللافت.

 ولا يقتصر صعود ثروة “آرنو” على المدى القصير لكن سهم شركة إل في إم إتش الفرنسية، والتي يمتلك الفرنسي وعائلته قرابة نصف أسهمها، نما بنسبة تفوق 150% خلال الخمسة أعوام الماضية، حيث ارتفع سعر السهم من مستوى أقل من 264 يورو في أكتوبر 2018 إلى مستوى فوق 660 يورو في أكتوبر 2023.

 أسباب لارتفاع الأسهم

 هناك عدة أسباب وراء ارتفاع سهم إل في إم إتش خلال السنوات الخمس الماضية، منها:

 1- الأداء القوي لشركة إل في إم إتش: أظهرت شركة إل في إم إتش أداءً قويًا على مدار السنوات الخمس الماضية، حيث حققت نموًا في المبيعات والأرباح.

 ومن المتوقع أن يستمر نمو سهم إل في إم إتش في السنوات القادمة، حيث تتوقع الشركة تحقيق نمو بنسبة 10% في المبيعات خلال عام 2023.

 التوسع الدولي لشركة إل في إم إتش، توسعت شركة إل في إم إتش بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث افتتحت متاجر جديدة في جميع أنحاء العالم، كما استحوذت شركة إل في إم إتش على شركة تيفاني آند كو، وهي شركة أمريكية للأحجار الكريمة والمجوهرات، في عام 2021 في صفقة وصفت حينها بـ”المؤثرة”.

 2- النمو الكبير واللافت في سوق سلع الرفاهية الشخصية (ويقصد بها الساعات والحقائب والمحافظ بعيدا عن السيارات والمنازل والقطع الفنية) حيث نما حجم السوق بأكمله من 280 مليار دولار عام 2019 إلى 352 مليار دولار عام 2022، مع ملاحظة التراجع الحاد الذي شهده السوق في عام 2020 بفعل انتشار “كورونا”.

 والشاهد هنا أن التوقعات تشير إلى استمرار سوق سلع الرفاهية الشخصية في النمو بمعدل لن يقل عن 3.38% سنويًا حتى عام 2028 وفقًا للتقديرات المتحفظة، ويصل إلى 9% وفقًا للتقديرات المتفائلة.

 3- ومع مثل تلك التوقعات حول الشركة وحول القطاع بأكمله يأتي حال الاقتصاد العالمي وما يعانيه من ارتفاع نسب التضخم، والتي تصب في مصلحة المزيد من النمو لهذا السوق بشكل عام في ظل النظر إلى تلك السلع بوصفها مخزنًا للقيمة بشكل ما، بما يجعل ثروة الملياردير الفرنسي المستثمرة في أسهم الشركة الفرنسية مهيأة للمزيد من النمو.

 والشاهد أن رهان “أرنو” على أسهم قطاع سلع الرفاهية مثلا يمتد ليشمل “كريستيان ديور” والتي تمتلك عائلته حوالي 97.5% من أسهمها، و”سيلفريدج” (شركة فرنسية في قطاع التجزئة لسلع الرفاهية) التي تمتلك العائلة نصف أسهمها، وشركة “بيروجا” -أحذية فاخرة- وتمتلك العائلة حوالي 60% من أسهم شركة بيروجا، وهي شركة فرنسية للأحذية الفاخرة، بل ويمتد في قطاع آخر قريب بامتلاكه 20% من أسهم “فور سيزونز”.

 وفي ذلك يعلق محللون على الأسهم التي يحوزها “آرنو” وعائلته بأنها قد لا تبدو بنفس “البريق” التي تبدو عليه شركات التكنولوجيا الأمريكية مثلا غير أن المؤكد أن نموها يبقى أكثر ثباتًا واتجاهها أكثر وضوحا بما يجعلها أسهم أكثر ملاءمة للاستثمار طول المدى عن المضاربة.

 وكمثال أيضا، صعد سهم شركة “شيفرون” بنسبة 18.9% منذ بداية عام 2023 حتى الآن، أو من مستوى 92.20 دولار في بداية يناير 2023 إلى 110.27 دولار في الخامس عشر من أكتوبر 2023، ولم يكن غريبا أن يكون “وارين بافيت” من بين من أقبلوا على زيادة حصتهم في الشركة قبل عام تقريبا.

 ويمكن القول إن هناك عوامل عدة يمكن رصدها رآها المستثمرون في “شيفرون” أبرزها استقرار أسعار النفط الخام، حيث يؤدي ارتفاع أسعار النفط الخام إلى زيادة أرباح شركات النفط، مما يؤدي بدوره إلى ارتفاع أسعار أسهمه لا سيما مع المخاوف باستمرار الإمدادات من بعض المناطق أيضا.

 كما تحسّنت آفاق الطلب على النفط -باستثناء توقع التراجع الضئيل في 2024 وهو أمر غير مؤكد- ولكن بالمجمل يتوقع المحللون أن يستمر الطلب على النفط في النمو في السنوات القادمة، مدفوعًا بالنمو الاقتصادي العالمي والطلب المتزايد من آسيا بما يدعم شركات النفط وأسهمها، وأخيرا خطط “شيفرون” الطموحة للتوسع في السوق.

 ويمكن طرح عشرات الأمثلة التي تؤكد أن التركيز على العوامل الطويلة المدى “وحده” هو القادر على جعل الاستثمار في أسواق الأسهم جهدًا رابحًا، ولكن ذلك يستلزم بالتأكيد دراية بكافة التفاصيل التي لا تقتصر على قراءة البيانات المالية وتحليلها أو التنبؤ بحركة الاقتصاد ككل ولكن تمتد للعديد من المؤشرات التي على المستثمر دراستها قبل اتخاذ قراره بالشراء أو البيع.

 

 


اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading