كيف تقودك المغالطات المنطقية للخسارة في سوق


يشير التعريف البسيط لـ”الخطة” إلى أنها تحديد هدف معين، ثم تحديد الاستراتيجيات أو الوسائل اللازمة لتحقيق هذا الهدف، وعلى ذلك فإن الافتقار إلى  أحد عنصري الخطة، سواء هدف واضح المعالم ومحدد من جهة، أو وسائل ناجعة للوصول له من جهة أخرى، يعد بمثابة غياب للخطة، أو تخطيطًا للفشل.

ويدخل كثيرون إلى سوق الأسهم بهدف غير واضح وهو “الربح” دون تحديد نسبة مئوية واقعية تسترعي قدرًا محددًا من المخاطرة في السوق، ويستخدمون في ذلك أدوات غير فاعلة في كثير من الأحيان، وذلك بسبب ما يعانيه كثير منهم مما يعرف بـ”المغالطات المنطقية” التي تؤدي للفشل في النهاية.

التفكير الرغبوي (بالأمنيات)

والمغالطة المنطقية هي حجة أو أطروحة قد تبدو منطقية ومتماسكة للوهلة الأولى، لكنها في واقع الأمر مليئة بالثغرات، ومن بينها التفكير الرغبوي، والنزوع للاستمرارية ومتلازمة الخوف من الضياع والإفراط في الثقة في الخبراء وغيرهم.

وعلى سبيل المثال أظهرت دراسة أن التفكير الرغبوي، أي الاعتقاد باستمرار بأن ما أتمناه سيحدث، يتسبب في معاناة 40% من المتداولين في السوق الأمريكية، حيث قد يلجأ الشخص وفقًا لذلك لشراء سهم يرتفع منذ فترة ووصل لقمته بالفعل بأنه “يأمل” في استمرار ارتفاعه، وكذلك قد يشتري سهمًا ينخفض أملًا في صعوده “دون مؤشرات لذلك”.

وبشكل عام فإن المتداولين الذين يعانون من التفكير الرغبوي أكثر عرضة للاحتفاظ بأسهم خاسرة، مما قد يؤدي إلى خسائر أكبر، لأنهم يبقون آمالهم –غير المنطقية- في ارتفاع السهم وبالتالي تتزايد خسائرهم مع استمرار انخفاضه.

وتشير تقديرات عملاق الاستثمار وصناديق التحوط “بلاك روك” إلى أن ربع عملائها على الأقل يندفعون في خيارات غير رشيدة رغم نصائح خبراء الشركة، وأن غالبية هؤلاء يتحركون في اتجاه معين بسبب اعتقادهم الراسخ بأن رغباتهم وأمنياتهم ستتحقق (فيما يشبه منطق وتفكير الرهان وليس الاستثمار).

مغالطتا الخوف من الضياع و”الثقة العمياء”

أما المغالطة المنطقية الثانية فهي متلازمة الخوف من الضياع ويقصد بها خوف المتداول من بيع سهم ليعود سعره للارتفاع، أو شراء آخر فيتراجع سعره، ووفقًا لدراسة أجرتها جامعة “هارفارد” عام 2010، فإن المتداولين الذين يعانون من الخوف من الضياع أكثر عرضة للاحتفاظ بأسهم خاسرة بنسبة 63% من المتداولين الذين لا يعانون من هذه الحالة.

كما أن المتداولين الذين يعانون من الخوف من الضياع أكثر عرضة للشراء في أعلى مستويات السوق بنسبة 30% من المتداولين الذين لا يعانون من هذه الحالة لخوفهم من “فوات الفرصة”، ووفقًا لدراسة أجراها بنك “إتش.إس بي.سي” عام 2017، فإن الخوف من الضياع هو السبب الرئيسي للخسائر الاستثمارية للمستثمرين الأفراد.

وبوصفه السبب الأول للخسارة فإنه يجب الإشارة إلى أن هذا “الخوف” لا يقود المستثمر وحده إلى الخسارة ولكنه يقود السوق ككل لظاهرتي بيع الهلع، والصعود غير المبرر.

وتعد الثقة “العمياء” في الخبراء أحد أهم أسباب الخسارة أيضًا في سوق الأسهم، حيث يميل البعض إلى التشكيك في حكمهم الشخصي لحساب “الخبراء” أو قد لا يملكون من العلم ما يمكنهم من إدارة استثماراتهم بالتالي يلجؤون لـ”الخبراء” بدون القدرة على تمييز الجيد منهم من السيئ.

وبشكل عام فإن المتداولين الذين يثقون في الخبراء –دون قدرة على التمييز- أكثر عرضة لخسارة المال في سوق الأسهم بنسبة 50% من المتداولين الذين لا يثقون فيهم بشكل أعمى، كما أن المتداولين الذين يثقون في هؤلاء الخبراء أكثر عرضة للشراء في أعلى مستويات السوق بنسبة 20% من المتداولين الذين لا يثقون فيهم.

مغالطة الانحياز للاستمرارية والانحياز التأكيدي

وتأتي مغالطة “الانحياز إلى الاستمرارية” كأحد أهم المغالطات التي تصيب المتعاملين في السوق، حيث تشير الدراسات إلى أن 70-80% من المتعاملين في الأسواق إذا رصدوا منحناً صاعداً فإنه لا يمكنهم رؤيته هابطًا مجددًا، والعكس بالعكس (ولكن نسبة من يرون أن المنحنى يستمر في الهبوط أقل لأن الطمع يغلب الحذر في سوق الأسهم بشكل عام).

كما أن المتداولين الذين يعانون من الانحياز إلى الاستمرارية أكثر عرضة للشراء في أعلى مستويات السوق بنسبة 60% من المتداولين الذين لا يعانون من هذه الحالة.

ويعد الانحياز إلى الاستمرارية السبب الثاني للخسائر الاستثمارية للمستثمرين الأفراد، بعد مغالطة الخوف من الضياع، بما يجعله سببًا لخسارة الكثيرين في السوق، ويتفق مع التسبب في بيع الهلع والصعود المدفوع بالطمع أيضا وليس بالحقائق.

وهناك الانحياز التأكيدي، ويقصد به البحث عما يتوافق مع معتقدات الشخص فيما يصله من أخبار ومعلومات وإهمال ما يناقضها وهي آفة تصيب الكثيرين من المستثمرين في السوق، مثل أن يرى المتداول أن أسهمًا تشكل فرصة استثمارية فيظل يراها هكذا حتى مع كل ما يصله من بيانات تنفي وجهة نظره الأولى.

 والمتداولون الذين يعانون من الانحياز التأكيدي أكثر عرضة للاستثمار في أسهم تتوافق مع معتقداتهم بنسبة 70% من المتداولين الذين لا يعانون من هذه الحالة، وهم  أكثر عرضة للتجاهل أو التقليل من شأن المعلومات التي تتعارض مع معتقداتهم بنسبة 50% من المتداولين الذين لا يعانون من هذه الحالة.

تعزيز الذات و”رجل القش”

وهناك مغالطة “تعزيز الذات”، ويقصد بها التعامل مع الرأي أو الاستنتاج الذي يتوصل إليه الشخص كما لو كان جزءا من شخصه لا يغيره أبدًا والتعامل بثقة مفرطة لا تعززها الحقائق، بما في ذلك اتخاذ القرارات الاستثمارية اعتقادًا بامتلاك المعارف اللازمة لتحديد أفضل خيارات الأسهم.

ويؤدي تعزيز الذات إلى جعل المتداولين أكثر ثقة في قدراتهم، حتى عندما لا يكون لديهم الأساس المنطقي لذلك، حتى إن 23% من الأمريكيين الذين أشهروا إفلاسهم يؤكدون أن لديهم علماً متميزاً بالشؤون المالية، وبشكل عام فإن متلازمة تعزيز الذات تفضي إلى اتخاذ قرارات استثمارية متهورة وغير منطقية.

وتؤدي تلك المتلازمة كذلك إلى تقليل قدرة المتداولين على التعلم من الأخطاء لعدم اعترافهم بها مطلقًا، كما تزيد من خطر الإفراط في التداول في ظل ثقة كبيرة لا تتزعزع مهما كانت أسباب ذلك.

وأظهرت الإحصائيات أن المتداولين الذين يعانون من تعزيز الذات أكثر عرضة لاتخاذ قرارات استثمارية سيئة بنسبة 60% من المتداولين الذين لا يعانون من هذه الحالة، كما أن المتداولين الذين يعانون من تعزيز الذات أكثر عرضة للتكرار الأخطاء بنسبة 50% من المتداولين الذين لا يعانون من هذه الحالة.

ويرتبط هذا بمتلازمة “رجل القش” أو كما يطلق عليها البعض “خيال المآتة” ويقصد به على وجه العموم اختلاق خصم وهمي وافتراض طرحه لمجموعة من الأفكار ثم تفنيد هذه الأفكار لكي يظهر الشخص بصورة المنتصر، كأن يقول شخص “وبالنسبة لهؤلاء الذين يدعون بعدم وجود ضوء للشمس فإن العلم أثبت وجوده” (بينما لم يدع أحدًا أصلاً أن الشمس بلا ضوء).

وعلى سبيل المثال فإن 40% من المتداولين في الأسواق الأمريكية يلقون باللائمة على خسارتهم على المحللين الماليين والمؤثرين والسماسرة، و60% على القوى المالية المنظمة التي تتلاعب بالسوق لمصلحتها، وإجمالًا تبلغ النسبة التي تلقي باللائمة على عناصر خارجية باستمرار –بعيدة عنهم- أكثر من 80%.

الحل؟

والشاهد أن كافة هذه المغالطات المنطقية بها أزمة مشتركة وهي أنها “تبدو” منطقية، وبالتالي فإن من يعانونها لا يدركون أنهم يتصرفون بشكل غير رشيد أو غير منطقي، وبالتالي يصعب عليهم تلافيها ويظلون يعانون الخسائر بسببها لفترات طويلة. ولتجنبها فإن هناك بعض النصائح المهمة:

كن على دراية بالمغالطات المنطقية: اقرأ عنها وتعلم كيف يمكنك تحديدها.

كن واقعيًا بشأن أهدافك: لا تتوقع تحقيق أرباح كبيرة بسرعة.

قم ببحثك الخاص: لا تعتمد فقط على نصيحة الخبراء.

قم بإدارة مخاطرك: لا تستثمر أكثر مما يمكنك تحمل خسارته.


اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading