حكم تلقي النساء للدرس من إمام المسجد بدون حائل
قالت دار الإفتاء المصرية، إن الذي عليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا أن مجرد وجود النساء مع الرجال في مكان واحد ليس حرامًا في ذاته، وأن الحرمة إنما هي في الهيئة الاجتماعية إذا كانت مخالفة للشرع الشريف؛ كأن يُظهر النساءُ ما لا يحلُّ لهن إظهاره شرعًا، أو يكون الاجتماع على منكر أو لمنكر، أو يكون فيه خلوة محرَّمة. ونص أهل العلم على أن الاختلاط المحرم في ذاته إنما هو التلاصق والتلامس لا مجرد اجتماع الرجال مع النساء في مكان واحد.
أضافت الإفتاء، أنه على ذلك دلَّت السنة النبوية الشريفة: ففي “الصحيحين” عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: “لَمَّا عَرَّسَ أَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ دَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَصْحَابَهُ، فَمَا صَنَعَ لَهُمْ طَعَامًا، وَلا قَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ إِلَّا امْرَأَتُهُ أُمُّ أُسَيْدٍ”، وترجم له البخاري بقوله: “باب قيام المرأة على الرجال في العرس وخدمتهم بالنفس”.
وقال العلامة ابن بطال في “شرحه على البخاري”: [وفيه أن الحجاب -أي انفصال النساء عن الرجال في المكان، أو في التعامل المباشر- ليس بفرض على نساء المؤمنين، وإنما هو خاص لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كذلك ذكره الله في كتابه بقوله: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الأحزاب: 53]].
وقال الحافظ ابن حجر في “فتح الباري”: [وفي الحديث جواز خدمة المرأة زوجها ومن يدعوه، ولا يخفى أن محل ذلك عند أمن الفتنة، ومراعاة ما يجب عليها من الستر، وجواز استخدام الرجل امرأته في مثل ذلك].
وفي “الصحيحين” أيضًا عن أبي هريرة رضي الله عنه في قصة أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه في إطعامه الضيف: “أنهما جعلا يُريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين”، وفي رواية ابن أبي الدنيا في “قِرى الضيف” من حديث أنس رضي الله عنه: “أن الرجل قال لزوجته: أَثْرِدِي هَذَا الْقُرْصَ، وَآدِمِيهِ بِسَمْنٍ ثُمَّ قَرِّبِيهِ، وَأْمُرِي الْخَادِمَ يُطْفِئُ السِّرَاجَ، وَجَعَلَتْ تَتَلَمَّظُ هِيَ وَهُوَ حتى رأى الضيفُ أنهما يأكلان”، وظاهره أنهم اجتمعوا على طبق واحد.
تلقي النساء للعلم الشرعي والموعظة من العالِم
وقد قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قَدْ عَجِبَ اللهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ»، ونزل فيهما قوله تعالى: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ [الحشر: 9].
وفي “صحيح البخاري” عن أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قال: “آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا …” إلى آخر الحديث.
وأما بخصوص تلقي النساء للعلم الشرعي والموعظة من العالِم، فقد ورد فيه حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في “الصحيحين”: “قَالَتِ النِّسَاءُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ؛ فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ فَوَعَظَهُنَّ”.
وفي رواية النسائي وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهن: «مَوْعِدُكُنَّ بَيْتُ فُلَانَةَ».
وتابعت الإفتاء: وكانت المرأة المسلمة تشارك الرجال في الحياة الاجتماعية العامة مع التزامها بلبسها الشرعي ومحافظتها على حدود الإسلام وآدابه؛ حتى إن من النساء الصحابيات من تولت الحسبة، ومن ذلك ما رواه الطبراني في “المعجم الكبير” بسندٍ رجالُه ثقات عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم قال: “رأيت سَمْراء بنت نُهَيْك، وكانت قد أدركت النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ عليها درع غليظ، وخمار غليظ بيدها سَوْطٌ تُؤَدِّبُ الناس، وتأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر”.
وأتمت قائلة: “وعلى ذلك: فلا يَسعُ أحدًا أن ينكر هذا الواقع الثابت في السنة النبوية الشريفة والتاريخ الإسلامي، ولا يصح جعل التقاليد والعادات الموروثة في زمان أو مكان معين حاكمةً على الدين والشرع، بل الشرع يعلو ولا يُعلَى عليه، ولا يجوز لمن سلك طريقة في الورع أن يُلزم الناس بها، أو يحملهم عليها، أو يُشَدِّد ويضيِّق عليهم فيما جعل الله لهم فيه يُسْرًا وسعة”.