ورد لفظ النشوز في الآية الأولى (النساء 34) المعروفة بآية القوامة، وهي تأتي بعد آية النهي عن تمني ما فضل الله به الرجال والنساء بعضهم على بعض (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)، والتي تتكامل من حيث المعنى مع آية القوامة لما بين التفضيل والقوامة من علائق. والآيتان معا تؤسسان لكيفية ضبط العلاقة بين الرجال والنساء في ظل التكامل الوظيفي والتميز الطبيعي اللذين يحكمان هذه العلاقة.
ويأتي النشوز في الآية الثانية (النساء 128) صفة للرجل الذي سمته الآية بعلا، لما لهذا اللفظ من دلالة على معنى الغلظة والاستعلاء، المناسب لمعنى النشوز. وهي تأتي بعد آية الاستفتاء في أمر النساء (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاء الَّلاتِي لاَ تُوْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً)، والتي نزلت في أمر يتامى النساء اللاتي لا يعطيهن الرجال ممن يكفلونهن ما فرض الله لهن من الميراث أو غيره من الحقوق المالية، والمناسبة بين هذه الآية والآية موضوع الدرس أن الجامع بينهما معنى النشوز والاستعلاء عما فرضه الله للنساء من حقوق، ويأتي بعد الآية تقرير حقيقة صعوبة العدل بين النساء، والنهي عن الميل في التعامل معهن في حال كراهة عشرتهن:(وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً). وبذلك تكون الآية منسجمة مع هذا السياق الذي تعالج فيه حالة من حالات استعلاء الرجل على المرأة.
يستخلص من هذه السياقات، أن بناء السورة على التواصل والتآلف والتصالح، وحفظ الحقوق وضمان العدل فيها، يجعل النشوز، بنوعيه، وعلاجه، داخلا ضمن المقصد العام للسورة الذي يرمي إلى رأب الصدع الذي قد تتعرض له الأسرة بسبب الخلاف بين الزوجين، وهو لذلك يمثل الاستثناء من القاعدة التي بنتها السورة في مطلعها على الوحدة والتواصل بدل الفرقة والتقاطع. وهو مع هذا لا يعكس ظلما لأي طرف من الأطراف، بل على العكس يأتي منسجما مع إحقاق الحق الذي رمت إليه السورة كما مر، وأكدته آيات بينات فيها كقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) ، وقوله عز وجل: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً).
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.