راب الشوارع.. وفلسطين!



استمعت، واستمتعت بالصدفة بأصوات مصرية فى فيديو على اليوتيوب يؤدى فيه مجموعة من الشباب والصبية والأطفال مقاطع مغناة عن فلسطين وعن العدوان الإسرائيلى على غزة.. بطريقة الراب وهى موسيقى أمريكية انتشرت فى العالم، ومن يرد أن يبحث عنها على جوجل سيعرف أصولها وبداياتها وأسباب انتشارها!

ورغم أن الفيديو تم تصويره بكاميرا عادية جدا، وربما بالموبايل بلا إضاءة وبلا ديكور وبلا بنات حلوة بترقص ولا شباب يتَرقَص فكله فى الشارع، وتحديدا فى مكان شبه مهجور أقرب إلى الخرابة.. ومع ذلك موسيقى المقاطع على رتم مظبوط وتراكات موسيقية تبدو مدروسة، والأصوات الرئيسية للمقاطع تؤدى بطريقة احترافية حتى ولو فيها حشرجة ولكنها معبرة وصادقة، أما الكلمات فهى صادمة ليس لوجود بعض الألفاظ النابية، وقد حاولوا إخفاءها، ولكن الصدمة من درجة الوعى العالية للقضية الفلسطينية ووضوح رؤيتهم لها وللأعداء سواء إسرائيل أو من وراء إسرائيل!

والمدهش أن ذلك يصدر عن هؤلاء الشباب الذين نحسبهم لا يعون شيئًا.. والحقيقة أنهم أكثر وعيًا من الكثير من المثقفين، ولذلك أدوا المقاطع بإيمان وبقوة وتحدى أكثر من حماس وانفعال شباب الأحزاب أو الذين يمثلون تجمعات سياسية حكومية أو غير حكومية.. وكأنهم ليسوا نفس الشباب والصبية والأطفال الذين نسخر ونتأفف منهم وهم يغنون أغانى المهرجانات!

ويصل وقت هذا الفيديو نحو نصف ساعة، ويتضمن عشرة مقاطع لعشرة مؤديين، ولا يقل عن عشرين من الكورال.. وقد نُشر على اليوتيوب مؤخرًا بعنوان “راب شارع فلسطين (أرض كنعان، انا فلسطينى، اوتشا )” وطريقة تصويره بدائية وبلا إخراج وفى مكان واحد حيث ينتقل المصور من مؤدى إلى آخر ومعه يمشى الشباب والصبية والأطفال ورغم ذلك هناك جمال فنى بداخله لا يجعلك تشعر بالملل أو التكرار فى المكان أو الحركة ربما بسبب التفاعل الصادق فيما بينهم فى الموسيقى والكلمات والتلقائية فى الأداء أفضل من عشرة من المخرجين والمصورين والمغنين المحترفين الذين صدعوا رؤوسنا بكلام فارغ وموسيقى مكررة ومسروقة من ألحان قدامى الملحنين مثل بليغ حمدى والموجى والطويل!

ولا أريد إفساد الكلام عن هؤلاء الشباب المبدع وأخلط بينهم وبين هؤلاء الذين أفسدوا موسيقانا لسنوات، لأن هذا الشباب يقدم لونًا من الغناء أو الأداء الغنائى أو الموسيقى تنقل مشاعر حقيقية عن واقعنا وأحوالنا بعيدًا عن الحبيب الذى هجر حبيبته ولا الغيرة والنواح على أطلال الذى راح!

والمشكلة أن هؤلاء الشباب لا أحد لديهم ولا معهم غير الجمهور، فمن المستحيل أن تتعامل معهم نقابة الموسيقيين ولا دار الأوبرا ولا البيت الفنى للمسرح ولا حتى متعهد حفلات لأنهم خارج المنظومة المدجنة لطريقة الغناء والتلحين والكلمات المصطنعة والمغيبة التى يأكل أصحابها الحلاوة والبقلاوة من ورائها ويتشاجرون مع بعضهم البعض على حقوق الأداء العلنى والملكية الفكرية وهى موسيقى فارغة مثل الطبل الأجوف، وعلى حساب الوعى بحقيقة الواقع!

ولذلك ظلت هذه النوعية من الموسيقيين لسنوات يهاجمون أغانى المهرجانات فى بدايتها حتى انتشرت رغم عنهم، وأصبح لها جمهور كبير ويغنيها الشباب فى الحفلات والجامعات والمدارس والأفراح ويحضر حفلاتهم عشرات الألوف، مع ذلك لا زالت هذه المؤسسات الرسمية تتعامل معهم وكأنهم عالة على الفن ودخلاء عليه.. مع أن الواقع غير ذلك!

مقاطع “راب شارع فلسطين” يستحق الاستماع والاستمتاع به لأنه أصدق من مئات البيانات السياسية وتصريحات الشجب والاستنكار!

[email protected]

 




اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading