ماذا ينقص المتداول العادي ليصبح مثل لينش


ينخرط المتداولون في سوق الأسهم واضعين نصب أعينهم هدفًا وهو تحقيق الربح، وعلى الرغم من ذلك يخفق الغالبية في تحقيق مرادهم، وينجح عدد محدود، وغالبًا ما يكون الفارق بين الفئتين، الرابحة والخاسرة، هو وجود استراتيجية واضحة في سوق الأسهم.

فالاستراتيجية تعني ببساطة الخطة التي يضعها المتداول لتغيير وضع أمواله من حالة الركود إلى حالة النشاط في السوق، بحيث يحقق النماء لرؤوس أمواله ولا تبقى عرضة للتآكل، ليكون التساؤل عن كيفية إسهام تلك الاستراتيجيات في تحقيق النجاح في السوق، وعن مدى تأثير غيابها على المتداولين في مسعاهم لتحقيق الربح.

البحث عن فجوة

من بين الاستراتيجيات اللافتة كانت طريقة “بيتر لينش” في شركة “فيديلتي”، حيث وصلت عائدات صندوق إدارة الاستثمارات الكبير، والذي يبلغ حجم استثماراته حاليًا 4.5 تريليون دولار إلى 29.2% في المتوسط سنويًا خلال الفترة التي قضاها في إدارة استثمارات الصندوق.

واعتمدت وسيلة “لينش” الأساسية في الاستثمار على البحث عن “الفجوات” في السوق، والاستثمار في الشركات التي تنشط لسد هذه الفجوات، وعلى ذلك تركزت استثماراته في مجالات متنوعة وغير ذات صلة ببعضها البعض، مثل المقاهي وبعض محلات التجزئة وشركات الشحن.

وكان “لينش” مديرًا للاستثمارات في الشركة في الفترة بين 1977-1990، وخلال هذه الفترة حقق عائدات تفوق ضعف العائدات المتوسطة لمؤشر “ستاندرد أند بورز” ونما بالأصول الخاضعة لإدارة الشركة من 14 مليون دولار إلى 18 مليار دولار.

والشاهد أن منطق البحث عن “فجوة” في السوق يعد أحد أهم الضمانات التي يسعى الكثير من المستثمرين إلى البحث عنها ضمن استراتيجيتهم للعثور على الشركات الرابحة، ويمكن القول إنهم يبحثون عن الشركة وليس عن السهم.

ويقول “لينش” حول ما فعله لتحقيق تلك النجاحات إنه يركز على مفهوم “تسهيل الاستثمار” بدلا من تعقيده، وذلك من خلال الحد من كمية المعلومات التي يتم اتخاذ القرار وفقًا لها، حيث يقدر أنه تخلص من أكثر من 90% من المعلومات التي كان المحللون في الشركة يغرقون فيها لاتخاذ قراراتهم.

استخدام الوقت

ومن أهم العناصر المتعلقة باستراتيجية التداول في سوق الأسهم هي المتعلقة بكيفية استخدام الوقت، وعدم اختيار الأسهم بشكل يشبه “التخلص من عبء” بقاء الأموال في حالة “الكاش” كما يفعل قرابة 90% من المستثمرين.

وهنا يعلق المستثمر الراحل “تشارلي مونجر” على سرعة اتخاذه وشريكه “وارين بافيت” للقرارات الاستثمارية قياسًا بغيرهم أنهم قضوا أوقاتًا أخرى للدراسة والتعلم والتحليل ولم يتبق لهم سوى التفاصيل، ولذلك يسهل عليهم اتخاذ القرارات بصورة أسرع وربما أقرب للصحة أيضًا من غيرهم.

فمن ضمن الأشياء الهامة للغاية التي تميز كبار المستثمرين في السوق، وربما في كافة المجالات الأخرى، هي نهمهم بالقراءة حيث يقول “وراين بافيت” إنه قد يصل إلى حد قراءة 500 صفحة يوميًا، وإنه كثيرًا ما يخصص 80% من وقته اليومي للقراءة لا سيما مع تقدمه في العمر، وفي مجالات متعددة وليس الاقتصاد والأسهم فحسب.

وعلى ذلك فإن شركة “بيركشاير هاثاواي” اختارت الاستثمار في أسهم “القيمة”، أي تلك التي يُقدر المستثمرون أنها مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية، مثل “بي.واي.دي”، وأيضا في أسهم “النمو” مثل غالبية الأسهم التي يستحوذ عليها من “كوكاكولا” و”آبل” إلى “أمريكان أكسبريس”.

وفي هذا الإطار تشير الدراسات إلى أن هؤلاء الذين يتبعون هذين الطريقين في الاستثمار، أي استثمار القيمة والنمو، يحظون بفرص نجاح تفوق هؤلاء الذي يتبعون استراتيجيات مثل التداول اليومي والتحليل الفني بنسبة 2000%، بما يجعل وجود استراتيجية طويلة المدى وليست قصيرة المدى أمراً حيوياً.

الاستثمار طويل المدى

الأمثلة السابقة ومعهم أسماء “جون بولسون” و”جون تودر” و”جيم روجرز” وغيرهم من “مشاهير” أسواق المال والاستثمار لديهم أمر مشترك لا يمكن أن تخطئه العين، وهو أن استراتيجياتهم طويلة المدى وليست قصيرة المدى، ويندر للغاية أن تجد من حقق نجاحًا في سوق الأسهم بناءً على الاستثمار قصير المدى.

لكن البعض اشتهروا وبشكل سلبي، وعلى رأسهم “جيسي ليفرمور” الذي تخطت ثروته عام 1929 حوالي 100 مليون دولار، بسبب عمليات البيع على المكشوف التي استفاد منها خلال الانهيار المالي مع الكساد الكبير، ولكن مع غياب استراتيجية واضحة استمر المستثمر الأمريكي في تحقيق الخسائر والمكاسب بشكل متبادل حتى اضطر لإعلان إفلاسه، بل وأقدم على الانتحار عام 1940.

فطريقة “ليفرمور” اعتمدت على قيام المستثمر بتقييم تأثير “الخوف” وتأثير “الطمع” خلال فترات عدم الاستقرار، وبناء على ذلك يتحرك في السوق، ويضرب  مثالا بمتابعة سهم شركة عند 50 دولارًا، ليجد أن سعرها يرتفع حتى 60 دولارًا ويبدأ المتداولون في البيع خوفا من الانخفاض، ثم يعاود الانخفاض إلى 48  دولارًا بعد أن يراه كثيرون فرصة شراء مثلا ثم يعاود الارتفاع إلى 58 دولارًا وهكذا.

هنا يدرك المتابع لهذا السهم أن مستوى 58-60 دولارًا هو مستوى الشراء، ومستوى 49-50 هو مستوى البيع، ويتصرف بناءً على هذه الملاحظة، وهذا يعتبر بالطبع بمثابة إرساء لقواعد التحليل الفني وليس الأساسي والذي تبين بشدة نتيجته السلبية على أحد أهم من اتبعوه.

فالشاهد هنا أن هذا الأمر قد لا يكون استراتيجية بالمعنى المحدد بقدر ما يكون “رهانًا” على الثقة في تحركات السوق، ولكن يبقى السؤال دومًا: هل يمكن للمتداول الثقة في أن السوق سيتحرك كل مرة في نفس الاتجاه وبنفس الطريقة؟!

هل الاستراتيجية و”العلم” ضامنان للنجاح؟

والشاهد أن “جودة” المستثمر و”علمه” واستراتيجيته لا ينبغي أن ينعكس باستمرار في صورة تحقيقه أرباحاً، نظرًا لأن التوفيق قد يخونه في بعض الأحيان من جهة، بجانب أن السوق يحتوي على عشرات العوامل التي لا يتحكم فيها المستثمر، وإن استطاع قراءتها وتحليلها، ولكن حتى بالقراءة والتحليل فإن تفاعل هذه العناصر قد يقود لنتائج مختلفة عما استنبطه المستثمر.

وعلى سبيل المثال فإن “مايكل باري”، وهو أحد أكثر من حققوا أرباحاً من أزمات السوق تاريخيًا، خسر أموالًا في أغسطس 2023 بسبب توقعه انخفاض العديد من مؤشرات السهم الرئيسية، وأغلق مراكزه بعد هذه الخسائر ثم خسر مجددًا بعد رهانه على تراجع أسهم شركات أشباه الموصلات، حيث حدث العكس ببلوغها قممًا تاريخية غير مسبوقة، ولكنه في النهاية حقق لشركته أرباحًا بلغت 2.8 مليون دولار في 2023، أي أنه لم ينه العام 2023 خاسرًا وإن كان مجمل ربحه منخفضاً بالطبع.

هل يعكس هذا أن “باري” مستثمر غير ناجح”؟، بالطبع لا، ولكن أسلوبه الاستثماري المعتمد بالأساس على السير عكس اتجاه السوق تمامًا وتوقع إخفاقاته يحمل مخاطرة عالية، لكن في نهاية المطاف لديه أسلوبه الخاص المعتمد على التحليل وليس التعويل على الحظ، فضلا عن أن عدد مرات نجاحه أكثر كثيرًا من مرات إخفاقه.

 أثر غياب الاستراتيجية و”الجهد”

ولكن في مقابل متداول بذل جهدًا في تنمية قدراته، يصيب غالبا ويخطئ أحيانا، تبرز الأخطاء التي يبرزها غياب الاستراتيجية لدى الكثير من المتداولين، ومن بينها اعتماد بعضهم على اقتفاء أثر المستثمرين الناجحين بوصفها وطريقة ناجحة مستمرة واستراتيجية استثمارية من أجل الوصول للأرباح في السوق لأنهم يرون أن كبار المستثمرين والخبراء غالبا ما يشكلون السوق، أو يحددون منهاجه واتجاهه، بما يكون له نتائج سلبية غالبًا.

ويمكن هنا أن نتذكر هذا المثال الطريف، حيث تسببت تغريدة من “إيلون ماسك” في عام 2021 جاء فيها “استخدموا سيجنال” في رفع أسهم شركة “سيجنال أدفانس” الأمريكية بنسبة 408% يوم الحادي عشر من  يناير 2021 بعد إقبال الكثير من المتداولين على شراء هذا السهم.

والشاهد أن مشتري السهم هنا تلقفوا الرسالة بشكل خاطئ، حيث كان “ماسك” يدعو حقيقة إلى استخدام تطبيق “سيجنال” والذي يعد بمثابة منافس لـ”واتس آب” في ظل اعتراض “ماسك” على سياسات الخصوصية الخاصة بالتطبيق التابع لشركة “ميتا”.

وعلى الرغم من أن الأمر يبدو طريفًا، غير أن هؤلاء المتداولين تكبدوا خسائر كبيرة، وهم في ذلك يعبرون عن قطاع ليس بالصغير في سوق الأسهم ينتهج طريقة مستثمري الظل، الذين يتولد لديهم اقتناعًا بأن هذه وسيلتهم الناجعة للربح دون تحليل؛ ليتأكد أن المتداول الذي يتمتع باستراتيجية وفهم جيدين معرض للمكسب والخسارة، وغالبًا ما يربح، ولكن الذي يفتقر إليهما عادة ما يعاني الخسائر.


اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع نايفكو

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading