فى عالم الفلسفة تجد الكتابات كلها تتسم بالجمود والصعوبة فى الفهم، وعليه تجد القارئ نفسه فى حالة من الممانعة لمواصلة القراءة والإقبال، وعليه تحدث الفجوة والجفاء بل والكراهية للفلسفة ولمن يمتهنها بشكل عام.. تلك هى الحالة العامة.. لكن هناك من استطاع أن يمتلك الأدوات بشكل جيد وتمكن من تطويع المقولات الفلسفية وجعلها ميسورة الفهم.. فعلى سبيل المثال أنت تجد نشوة تداعبك وأنت تقرأ كتب الدكتور زكريا إبراهيم.. مشكلة الإنسان، مشكلة الحب، مشكلة الفلسفة، مشكلة الأخلاق… الخ نفس الأمر تجده عند قراءة ما يكتبه الدكتور إمام عبدالفتاح إمام.. أو ما يكتبه الدكتور عبدالغفار مكاوى.. هذه الأسماء.. وهى على سبيل المثال لا الحصر تمتلك القدرة على فهم الفلسفة بشكل جيد إلى جانب القدرة على الكتابة بشكل شيق.. وعلى نفس الدرب والطريقة.. نجد الدكتورة صفاء جعفر أستاذ الفلسفة الحديثة والمعاصرة بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، فهى تكتب عن كارل يسبرز الفيلسوف الألمانى (1883- 1969) ممثل الفلسفة الوجودية الألمانية. والفلسفة الألمانية بشكل عام تتسم بالصعوبة وتحتاج لمجهود ذهنى كبير لفهمها.. فى المقابل هى رائعة وجيدة وجميلة وشيقة لمن يمتلك الأدوات لمن يتناولها بعد أن يكون قد عايشها وتواشج معها بقوة.. حدث هذا مع الدكتور عبدالغفار مكاوى.. بنفس الطريقة وجدنا الدكتورة صفاء جعفر تعرض لنا ياسبرز بشكل ممتع وتتناول القضايا بشكل جذاب وأنيق.. فهى تجعلك تتوقف لتعرف وتنتبه إلى (ماهية الشامل) والشامل فى الوجود التجريبى، والشامل فى الوعى بوجه عام، والشامل فى الروح.. مثل تلك العناوين تجعلك تنجذب لكى تقرأ وتعرف وتتواشج مع الفكرة المطروحة.. أيضاً ما تعرضه لنا فى الفصل الثالث: المفارقة فى المواقف الحدية (الموت والألم)، (الصراع والشعور بالإثم).. مثل تلك الموضوعات تثير داخل المتلقى الرغبة فى المعرفة والفهم والإدراك.
وتعرض لنا الدكتورة صفاء لـ(ضرورة التواصل) عند يسبرز: «التواصل بين عقل وعقل آخر، وبين وجود ووجود آخر، ذلك كله وسيلة للوصول إلى معان وقيم لا شخصية.. حينئذ يصبح الدفاع والهجوم وسائل يقترب من خلالها البشر بعضهم من البعض الآخر.. أن يقين الوجود الحقيقى يكمن فقط فى «التواصل» بين أناس يعيشون فى تواصل حر.. فى التواصل وحده تتم كل الحقائق الأخرى… فأكون ذاتى، لأننى لست مجرد موجود حى، وإنما أحقق الحياة..».
ويبقى أن نقول ما قد قاله الدكتور ادهم مسعود مدير (مركز ليفانت للدراسات والنشر) فى المقدمة كتبها للكتاب:… والهدف من محاولة الكاتبة هو الدعوة إلى ما ينقذنا من عصر تسود فيه الآلية والسرعة والسطحية والنفعية.. وتشير إلى أن المرء موجود ومحقق لذاته فى النقائض، فلا حياة من دونها، بل تنطوى المفارقات على سعى الذات الحثيث للتغير بفاعلية حرة ومسئولة فى سياق تاريخية الوجود، الذى تستدعى ضرورة النظر إلى تحولات المفارقات والنقائض المستمرة، ومنها الحرية والضرورة، التواصل مع العزلة، وربما الموت والحياة.. مع كتاب د. صفاء نجد المتعة فى القراءة، وهى تجعلك تحب الفلسفة.. وكما هو معروف أن الفلسفة هى حب الحكمة، لذلك فهى تحقق تلك المحبة عبر الكتابة.
أستاذ الفلسفة وعلم الجمال – أكاديمية الفنون
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.