«من خصائص سوق الأسهم عدم الاستقرار، وهذا ما يغفله كثيرون».. هذا ما يؤكده غاري بيكر الحائز جائزة «نوبل» في الاقتصاد عام 1992، مشيرا إلى أن غالبية المنضمين لسوق الأسهم يفعلون ذلك تحت إغراءات «الربح السهل» ليصدموا لاحقا من النتائج من جهة ومن الطبيعة غير المستقرة للسوق من جهة أخرى.
ويشير ديڤيد كوهين مؤلف كتاب (الخوف والطمع والذعر: سيكولوجيا سوق المال) إلى أن حالة التذبذب في الأسواق تدفع كثيرين إلى اتخاذ قرارات غير رشيدة مثلما هي الحال مع موجات الطمع والذعر التي تخرج المتداولين عن رشدهم.
ابتعد عن بعض القطاعات
ويقول كوهين إن عمليات المضاربة تبدو أكثر «إغراء» في ظل السوق المتذبذب، في ظل تخيل أنه يمكن ضبط مستويات المقاومة والأسقف السعرية بناء على التحركات السابقة، وبالتالي يقدم المتداول على الاستثمار في سهم بعينه على هذه الأسس دون تقدير جيد لأساسيات هذا السهم بما يؤدي به للخسارة في نهاية الأمر، ويبقى السؤال ماذا يجب أن يفعل المتداول في حالة تقلب سوق الأسهم؟
أولا، يجب تلافي القطاعات الاستثمارية المتقلبة، ومثلا شاعت مقولة ان من يستثمر في أسهم شركات الطيران يبدو كمن ينفق أمواله ليجلب لنفسه التوتر والأمراض، في إشارة إلى التقلب الشديد الذي تشهده أسعار أسهم شركات الطيران مع أي خبر حول حادث طائرة أو عيب فني في أحد الموديلات.
وللتدليل على ذلك يكفي النظر إلى منحنى شركة سهم بوينغ خلال السنة الماضية، حيث كان في فبراير 2023 عند مستوى 213 دولارا للسهم، قبل أن يصل في فبراير 2024 إلى 211 دولارا للسهم، بانخفاض لا يتجاوز 0.5%، ولكن هذا الأمر لا يعكس الحقيقة كاملة.
فالسهم تدنى لمستوى 200 دولار في يناير 2024 وذلك بعد بلوغه 264 دولارا في ديسمبر 2023، وذلك بسبب شكوى من احتمال وجود عيب فني في أحد طرازات الطائرات بعد انخلاع إحدى نوافذها خلال رحلة، وتخوف المتداولين من أثر تلك الحادثة على مبيعات الشركة المستقبلية.
تغيرات جذرية
وعلى مدى الخمس سنوات الأخيرة انخفض سهم «بوينغ» بنسبة 47.6% وذلك على الرغم من أن هذه الفترة كانت فترة انتعاش للسوق الأميركي بشكل عام بفعل الوفورات الكبيرة التي دخلت إليه خلال فترة كورونا، فضلا عن ارتفاع مستويات التوظيف.
بل تضررت أسهم الشركة من فترة كورونا ووصلت إلى 120 دولارا في مايو للسهم بفعل الخشية من تأثيرات الفيروس على التنقل بالطائرات لاسيما في ظل حظر السفر الذي فرضته كثير من الدول خلال سنة 2020، بما جعل الأمر عامل تهديد للشركة وعاملا مؤثرا بالسلب على سعر سهمها.
والشاهد أنه في السنوات الخمس نفسها التي تراجع فيها سهم «بوينغ» بنسبة 47.6% ارتفع سعر منافستها الأبرز «إيرباص» بنسبة 36.37% وذلك لسبب يتعلق بعدم وجود معلومات أو شائعات أو ادعاءات خطيرة حول سلامة طائرات الشركة الأوروبية بالدرجة الأولى، وبعض التفاصيل الأخرى المتعلقة بالمبيعات والأرباح.
لذا يبدو أن الاستثمار في أسهم «إيرباص» خلال هذه الفترة أفضل، وقد يكون الأمر حقيقيا، وهذا لأن الأسواق لم تكن بهذا التذبذب السنوات الماضية، باستثناء أول فترة لانتشار كورونا، والتي شهدت انحدارا كبيرا لسهم «إيرباص» أيضا، ولكن في ظل سوق مذبذب يبقى تجنب القطاع ككل أفضل.
والفكرة من تجنب مثل تلك الشركات هو تقليل العوامل التي تؤثر على السهم في ظل حالة من التقلب، فهذه العوامل في فترة الازدهار قد تكون سببا في صعوده لكن أن يكون انتشار ڤيروس وحربا إقليمية وشائعات مرتبطة بالأمن والسلامة ومواقف سياسية بين الدول تؤثر على الصفقات، كما هي الحال في صناعة الطائرات، فإن هذه الأسهم – وما يماثلها- لا تبدو مثالية في وقت تقلب السوق.
والشاهد أن احتمال سقوط طائرة هو 1 من كل 11 مليون رحلة تقريبا ولكن تأثيرها النفسي أشد من تأثير حادث سيارة مميت، على الرغم من أن بيانات السلطات في مختلف دول العالم تجعل السفر بالطائرات أكثر أمانا من قيادة السيارات، ولكن ما يعتبر هنا ليس الحقائق وحدها، ولكن تأثير هذه الحقائق على المتداولين في السوق.
تجنب أسهم هذه الشركات
ويرى المستثمر الأميركي الشهير كارل إيكان أن اسوأ أنواع المضاربات هي تلك التي تتم في السوق المتذبذب «ليس بدبدبة ولا بثيران» حيث يبدأ إغراء استخدام أساليب التنبؤ بسعر الأسهم المبنية على التخمين وبعض أشكال التحليل الفني في التفوق على التحليل الأساسي للأسهم بما يضر المتعاملين.
فارتفاع السوق بشكل عام يدفع للاستثمار وانخفاضها يدفع للانكفاء بعيدا عنها، ولكن التذبذب يثير مخاوف المستثمر وأطماعه، وبما أن الطمع يسبق لدى قرابة 88-90% من المتداولين في مثل هذا السوق فإنه يتسبب في حدوث «فقاعات صغيرة» في بعض الأسهم سريعا ما تنهار.
وعلى الرغم من ارتفاع مؤشر «ستاندر آند بورز 500» خلال العام الماضي، 2023، وبدايات العام الحالي، فإن «إيكان» ما زال يتخوف من أن يتحول السوق الأميركي إلى سوق متذبذب قريبا، معتبرا أن هناك عوامل تدعو للارتفاع، وفي مقدمتها مستويات التشغيل وتفاؤل المستهلكين، ولكن قوة الدولار الزائدة قد تبدأ في إيذاء الاقتصاد كما أن التعثرات الاقتصادية للصين والأوضاع في الشرق الأوسط وأوروبا قد تؤثر سلبا.
وهنا ووفقا لـ«إيكان» فعلى المستثمر أن يبتعد تماما عن الأسهم ذات المخاطرة العالية أو التي يعتبر أي من العناصر السابقة «عنصرا حاسما» بالنسبة لها -مثل شركات الشحن الدولية- لتميل إلى الشركات الأكثر استقرارا والأقل تعرضا للعوامل المستجدة على السوق.
إستراتيجية الحل
وهنا يجب الانتباه إلى أن المتداولين من «متابعي الشاشات» أي هؤلاء الذين يبقون أعينهم على سعر السهم على مدار الساعة أكثر عرضة للتأثر في السوق المتقلب من هؤلاء الذين يتابعونه بشكل متقطع بنسبة تفوق 80%، وهذا بسبب تواتر تأثير التغيرات في السعر على أعصابهم.
والشاهد أيضأ أنه يجب تجنب النصيحة الشهيرة في سوق الأسهم وهي «TREND IS YOUR FRIEND» أو أن الاتجاه العام للسوق صديقك، فلا تعاديه ولا تسر ضده وإلا تسبب ذلك في خسارتك، لأنه لا يوجد اتجاه سائد هنا أصلا إلا لبضع ساعات أو أيام.
فعلى الرغم من أن هذه النصيحة تبدو منطقية في بعض الأحيان لأن الشراء وقت تراجع السوق يكبد صاحبه الخسائر – إذا استمر التراجع- والبيع وقت ارتفاعه يفقده مكاسب محتملة، ولكن السير في «قطيع» السوق أيضا لا يؤدي للمكاسب، حيث إن أي منحنى صاعد أو متراجع سينعكس حتما ووقتها يكون التغير سريعا لأنه يكون مصحوبا بشراء الجشع أو بيع الهلع.
والشاهد أن أكثر من 67% من المتعاملين في سوق الأسهم يتبنون بشكل أو بآخر نظرية أن «الاتجاه صديقي» ويشتري مع المشترين ويبيع مع البائعين، ويتكبدون الخسائر أو يحققون أرباحا تقل عن أرباح السوق بينما «يهزم السوق» -أي يتفوق في نسبة أرباحه عن المتوسط- من يتجنب السير في ركب السوق بلا تحليل خاص، لاسيما في فترات تذبذب السوق.
وفي هذا تبرز بشدة قيمة استثمار القيمة، واعتبر جراهام أن أسلوب الاستثمار الأمثل هو أسلوب «أعقاب السجائر»، ويعني به أن الأسهم التي يرميها الناس على جانبي الطريق بلا اهتمام يكون على أحدهم جمعها وإعطاؤها القيمة التي تستحقها والتي لا يلتفت لها غالبية المستثمرين بما يسمح بتحقيق أرباح كبيرة ومستقرة.
ويبدو أن أسلوب جراهام كان فعالا، حيث حقق أرباحا تتفوق على السوق باستمرار، حيث حقق 20% كربح سنوي بين أعوام 1936-1956 بينما لم يتعد متوسط السوق في هذه الفترة 12.6% أي أنه حقق الهدف غير المعلن لغالبية المستثمرين الكبار بـ«التغلب على السوق» بشكل واضح.
ففي حالة الأزمات العالمية يبرز هؤلاء الذين يبيعون على المكشوف، وفي حالة الازدهار تبرز قيمة أسهم الخيارات، أما استثمار القيمة فيبدو صالحا للحالتين، فضلا عن أنه الأكثر جدارة في الحالة «العادية» للسوق ويقصد بها التقلب المستمر وعدم الثبات على حال.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.