في خضم كل الاضطرابات والتوترات العالمية، يواصل الدولار الأميركي ارتفاعه ليبلغ أعلى مستوياته منذ عقدين من الزمن مرة أخرى، وكان مؤشر بلومبيرغ للدولار الفوري في حالة جيدة منذ تفشي الوباء، لكنه اكتسب قوة مؤخرا مرة أخرى ويبدو أنه يتماسك عند مستويات أعلى بشكل مريح مما كان عليه قبل كوفيد.
وفي الوقت نفسه، يستمر تراجع عملات الأسواق الناشئة مقابل الدولار بلا هوادة، فيما يقترب مقياس جيه بي مورغان الشائع لعملات الأسواق الناشئة مرة أخرى من أدنى مستوياته على الإطلاق، فكيف نفسر ذلك بالضبط، وهل سعر الدولار مبالغ فيه؟
ليس من المستبعد أن نعزو هذا إلى حد كبير للقوة الهائلة التي يتمتع بها الاقتصاد الأميركي في العقدين الماضيين، وتكمن الإجابات في العوامل الكلية الأساسية، التي كانت قوية باستمرار على مدى فترة طويلة، مما أدى إلى ارتفاع القيمة العادلة للدولار، كما يقول ثيموس فيوتاكيس من بنك باركليز.
وعلى مدى الأعوام العشرين الماضية، شهدت الولايات المتحدة نموا أعلى في الإنتاجية، وتحسنا في معدلات التبادل التجاري، وعوائد أعلى على رأس المال، وقد تفوقت على الاقتصادات الكبرى الأخرى في تلك المجالات لأن الولايات المتحدة اختارت نموذج عمل مختلفا.
ويقول فيوتاكيس إن البلاد اختارت السياسات التي دعمت اقتصادها المحلي بينما اعتمد آخرون على العولمة، وقد نجح النموذج الأخير عندما كانت العولمة في عز مجدها، لكنها لم تعد تفعل ذلك بعد الآن، وعلى الرغم من الظهور أمام جمهور محلي، ظلت أميركا تضع نفسها في المرتبة الأولى لفترة من الوقت، وقد نجحت إلى حد ما.
ومنذ أزمة عام 2008، وطفرة السلع الأساسية القصيرة التي أعقبتها، توقفت العولمة، بل وانعكس اتجاهها وكان النمو يتباطأ، وتتعرض أوروبا والصين والعديد من الأسواق الناشئة لهذا الأمر، في حين انفصلت الولايات المتحدة عن هذا الارتباط إلى حد ما على الأقل.
وتضمنت السياسات الناجحة دعم استقلال الطاقة، الأمر الذي جعل أميركا مصدرا صافيا للطاقة، والحد من مخاطر صدمات العرض أو الأسعار، وقد عملت سياسات واشنطن أيضا لصالح شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث عززت الشركات العملاقة التي كانت مهيمنة للغاية، واجتذبت الأموال الخارجية، بحسب ما نشرته «بلومبرغ»، واطلعت عليه «العربية Business».
وفي الآونة الأخيرة، كان ارتفاع أسعار الفائدة السائدة أيضا مصدرا لقوة الدولار. وحتى الآن، نعلم جميعا أن أسعار الفائدة لن تنخفض في أي وقت قريب، حيث تظهر دالة احتمالية أسعار الفائدة العالمية في بلومبيرغ، المستمدة من أسعار العقود الآجلة للأموال الفيدرالية، أن احتمالات خفض أسعار الفائدة بحلول يونيو قد تم القضاء عليها تقريبا.
وفي الوقت الحاضر، يتناغم السوق مع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أقصى حد منذ أشهر، حيث يبدو أن المتداولين ومحافظي البنوك المركزية يتجمعون حول وجهة نظر مفادها أن سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية سيكون أقل بنحو 75 نقطة أساس بحلول نهاية العام.
وبات التحول في التوقعات نحو خفض أسعار الفائدة في وقت لاحق وبأقل مما كان متوقعا في السابق يعزز التوقعات بالنسبة للدولار، وفقا، لـ «براد بكتل من شركة Jefferies LLC»، لأنه يحافظ على العائد الإضافي المرتفع الذي يمكن تحقيقه بالدولار مقارنة بالاقتصادات الرئيسية الأخرى.
وبغضّ النظر عن ذلك، فإن الحركة الوحيدة لسعر الفائدة التي يراها السوق هي التخفيض، وليس الارتفاع ـ وهذا لم يكن موضع شك على الإطلاق. حيث يرى مارك تشاندلر من Bannockburn Global Forex أن البيانات الاقتصادية الأضعف في الأسابيع المقبلة ستساعد في تحديد أسعار الفائدة الأميركية.
وفي الوقت نفسه، تحسنت الحالة الفنية للعديد من عملات مجموعة العشرة وبدأت مؤشرات الزخم في الارتفاع. لاتزال دوافع النمو ضعيفة في معظم البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع، ولكن المفتاح، كما رأينا في الربع الرابع من عام 2023، هو التطورات في الولايات المتحدة.
وبعبارة أخرى، إذا بدأت الولايات المتحدة بالفعل في إظهار تدهور النمو، فإن ذلك يعني عودة الركود باعتباره احتمالا جديا من شأنه أن يضعف الدولار. ويتوقع الكثيرون بالطبع شيئا على هذا المنوال. ومع ذلك، من المتوقع أن تتحرك نقطة البيانات المهمة التالية في الاتجاه الآخر.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.