يا ليلة العيد أنستينا.. البيوت المصرية تعود للزمن الجميل
نقطع شهر رمضان الكريم بقلوب تمرست على الأمساك عن ملذات الحياة حتى الحلال منها، لنصل إلى العيد فيوسع علينا الله مصارف الحلال ويُحرم علينا الأمساك عنه، فبعد أن حُرمنا الأكل نهار رمضان، يُحرم علينا صوم يوم العيد، إذ كان موعدًا للتمتع بنعم الله الحلال التى أمسكنا عنها تقربًا وطاعةً للمولى عز وجل، وكما حلينا قوبنا بالإيمان فى رمضان، نُحليها بفرحة العيد سنة عن رسولنا العدنان، وتتدخل طقوسنا المصرية المُتأصلة فينا، وتُحلى أفواهنا بما لذا وطاب من حلويات العيد المُتعارف عليها وعلى رأسها كحك العيد، وكما وقفت الأزمة الاقتصادية حائلًا دون التبذير فى ولائم الشهر الفضيل، تُكمل مسيرتها وتقف أمام الإسراف فى مُطلبات العيد، وتشد أوزارها حتى تجبر البعض على الاستغناء، وتعود بآخريين إلى العادات والأجواء القديمة حين كانت تُملئ المنازل برائحة العجين عند صُنع كحك العيد، ولكن هل سيؤثر ذلك على فرحة المصريين وكيف ستتولى البيوت المصرية أمورها أمام عادات العيد وحاجز الأسعار المرتفعة.
فيما يمر علينا العيد هذا العام فى ظرف اقتصادى غير مسبوق جعل الموطنين يقفون شبه عاجزين أمام مُتطلبات العيد التى اعتادوا عليها كمتطلبات أساسية على مدار السنين، فقرر البعض الاستغناء عن حلويات العيد باهظة الثمن، قرر البعض العودة إلى الزمن الجميل بإعداد كحك العيد فى المنزل كما كانت تفعل السيدات المصرية فى الماضى على أنغام الست أم كلثوم وهى تشدو «ياليلة العيد أنستينا» حينما كانت تفوح رائحة العجين فى ثنايا الدار فيما يجلس الجيران والأهل ينقشون بأناملهم الدافئة على أوجه الكحك بمناقيش من المعدن الأصفر، وتتراص دوائر الكحك على صوانى من النحاس وتُرسل إلى الفرن للتسوية أو تُلقى فى فرن منزلى متواضع وينتظر الأطفال على عجل هدية العيد أمام زُجاج الفرن الشفاف، فكان وما زال كحك العيد من أهم مظاهر الاحتفال بعيد الفطر منذ عقود متتالية لا تنتهى.
لذا قرر الوفد الاستطلاع والتحدث مع بعص الأُسر المصرية لرؤية تأثير الوضع الاقتصادى عليهم فى متطلبات العيد وما سُبلهم فى التوفير لمجارة الأمور، فقالت هدير ناجى، 29 سنة تعمل كاتبة محتوى وربة منزل، أنها أخذت عن والدتها عادة تحضير كحك العيد فى البيت، ولا تُحب أن تقطع هذه العادة أبدًا، لما فيها من أجواء أُسرية حميمية، فهى تسعد بالتجربة كل عام هى وزوجها الذى يُساعدها فى تحضير حلويات العيد وينتظروا سويًا نتيجة الكحك متوترين، فيتشاركوا السعادة عندما يخرج ناضجًا كما يجب أن يكون لذيذًا، وحينها يُرسِلون منه إلى الأهل والأصدقاء فخورين.
وأضافت هدير موضحة حبها الشديد لرائحة العجين فى المنزل، أن والدتها كانت تقول دائمًا «ريحة الخبيز فى البيت تجيب الخير»، كما أشارت إلى تقديرها الشديد إلى ضرورة استكمال مسيرة العادات التى يتوارثها ملايين المصريين على مدار السنين، وتشعر أنها شىء قيم لا يجب أن يقف لديها، بل يجب أن تنقله إلى أولادها كما ورثته من والدتها.
وعن تجربتها الخاصة فى تحضير كحك العيد فى المنزل وضحت هدير أنها مع الوقت اكتشفت أن كحك المحلات الجاهز يُصنع على البادر، أى تكون السمنة بادرة لهذا يكون لزجًا فى الفم أحياناً، لكن عندما يُصنع على أيدينا فى المنزل يكون بسمنة ساخنة فيخرج ناضج أو كما تسميه والدتها «محموش»، كما أنها تقوم بإعداد كمية صغيره تكفى لها ولزوجها وخاصة أنهم يتبعون نظام حياة صحى فلا يُكثرون من الحلويات، ومازالت تُشارك والدتها صنع حلويات العيد من البتى فور وكعب الغزال مع أخواتها وخالتها والجيران، ويكون بكميات كبيرة تكفى البيوت المُشاركة.
فيما قالت عبير 43 سنة ربة منزل فى المنصورة، أنها ستضطر هذا العام إلى عمل بسكويت وكحك العيد فى المنزل بسبب الظرف الاقتصادى رغم تعبها الجسدى، لأنها وجدت أن كيلو الكحك السادة بلغ حوالى 250 جنيهًا، مؤكدًا أنه «الحال على قد الأيد الأيام دي»، فبدلًا من شراء كيلو كحك بهذا المبلغ، ستقوم بشراء 3 كيلو من الدقيق بـ100 جنيهًا تقريبًا مع السكر والسمن وتخبز فى المنزل حوالى 4 علب من الكحك تكفيها هى وأولادها الستة، فحتى مع أزمة السكر وغلائه سيكون أوفر عمل الكحك والبسكوت فى المنزل بكميات معتدلة.
وأشارت عبير أن خبز الكحك فى المنزل كانت من العادات الأصيلة عند والدتها، حيث كانت تتجمع العائلة والجيران ويصنعون الكحك بكميات كبيرة تكفيهم طول العيد ويعيشون فى أجواء فرحة العيد وصوانى الكحك وهى تتنقل بين الأدوار، ومن المنزل بعد الصنع إلى الفرن للتسوية والأطفال فى كل أرجاء المنزل فرحانين ومترابطين قبل انشغالهم بالانترنت والألعاب الإلكترونية، ولكن مع مرور الزمن تغيرت الأوضاع وانفصلت الأُسر عن بعضها، وانتقل الكثير منهم من ريف الدقهلية إلى المدينة واندثرت تلك العادة مع الوقت وأصبح أسهل وأيسر من شراء الكحك جاهزًا من المحلات، ولكن لغلاء الأسعار هذا العام ستعود لصنع الكحك فى المنزل رغم ما تعانيه من آلام جسدية بسبب مرضى الضغط وخشونة الأطراف، ولكن ستحاول التمتع بفرحة العيد والأجواء التى تفتقدها.
وفى سياق متصل قالت سهير 56 عامًا ربة منزل وجدة، «السمنة البلدى غالية ومافيش محل فى مصر بيعملها بالسمنة الفلاحي» وأكدت أن جميع المحلات تقوم بإضافات طعم السمن البلدى من مستحضر يُباع عن العطار مايطلقون عليه «فلايفر أو ايسانس» يُعطى طعم ورائحة السمن ولكن حقيقة الأمر أن الكحك يكون مطهيًا بالزيت، وعلى الرغم من ذلك يكون أيضاً الكحك الجاهز غالى الثمن رغم استخدامهم للزيت بدل السمن لغلاء سعرها، وقالت أنها لم تستقر على قرار حتى الأن، فهى بين أن تشترى كمية بسيطة جدًا من الكحك لها ولزوجها وابنتها، وبين أن تصنع كمية معتدلة فى المنزل لأحفادها السبعة.
فيما أكدت كاميليا 35 سنة، أن المميز فى الكحك البيتى هو الحفاظ على العادات الاجتماعية التى تُجمع الأُسر وتُشعرهم بالألفة، والوصول للتماسك الاجتماعى والأُسرى الذى يحدث عندما يهادى كل بيت الآخر بما صنعه بيديه من الكحك والبسكوت، وذكريات الأطفال التى تترسخ وترتبط بالمناسبات الدينية والاجتماعية وتأخذهم من طقوس الأعياد الغربية مثل الهالوين والفالنتين، وهذه القيم أغلى وأعمق من المفهوم المُتعارف عليه عند مفاضلة كحك العيد بالجاهزة فى الأعياد مثل النظافة والجودة والتوفير، وهذه القيم الأصيلة تستحق التعب والمجهود المبذول خلال عملية الخبز الطويلة التى تترك بصامتها على جدران ووجدان أصحاب المنزل.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.