شافعي سلامة
بين من وصفها بالخرافة والخزعبلات التي لا أساس لها من الصحة، ومن قال إنها علم قائم على عدة نظريات في علم النفس السلوكي، جاءت لغة الجسد لتسد حاجة إلى لغة غير منطوقة تساعدنا في الحصول على الإجابات دون المبادرة بالسؤال.
في هذا الإطار، جاء الإصدار المتميز «عالم لغة الجسد» ليسد نقصا في مجال شيق لا تزال المكتبة العربية تحتاج إلى مزيد من المؤلفات التي تعمل على سبر أغواره وإلقاء الضوء على أسراره.
وفي تقديمها لمدخل التعامل مع هذا العلم المفيد، ترى مؤلفتا الكتاب التوأمان القطريان سارة وهاجر عبدالرحمن أن قراءة هذه اللغة هي عبارة عن «فن» دقيق ورفيع المستوى له العديد من خصائص الفنون المعروفة يترجم الأحاسيس ويقوم على الموهبة الفطرية في قراءة الآخرين.
ومن هذا المنطلق، استعرضا في كتباهما بعضا من أساليبهما التي أسهمت في إتقانهما هذه «اللغة الاستثنائية»، حيث تعمل على المهارة والحرفة والخبرة والإبداع والحدس والمحاكاة.
في خضم حديثهما عن المهارة ذكرت المؤلفتان مثالين لمواقف تتعلق بمشاهير يدللان على مدى أهمية قراءة لغة الجسد وإمكانية التوصل من خلالها إلى حقائق واقعية وكيف أثبتت عدة قراءات قامتها بها حقائق تم الكشف عنها لاحقا.
المثال الأول كان عن كشف أحد التحليلات العلاقة المتوترة بين إحدى الفنانات العربيات وزوجها، رغم محاولتها وحرصها على أن توضح عكس ذلك خلال حديثها، ثم تبين فيما بعد أنهما بالفعل لم يكونا على وفاق، وتم الانفصال.
أما المثال الثاني فكان أن تبين من خلال أحد تحليلاتهما عبر قراءة لغة الجسد أن أحد الفنانين العرب متزوج بشكل سري، وبعد مرور فترة من طرح التحليل تم الاعتراف بالزواج بشكل علني.
فيما يتعلق بالخبرة، قالت سارة وهاجر إن التطبيق العملي المستمر لقراءة لغة الجسد، سواء أكانت النتيجة صحيحة أم خاطئة، يكسب المرء خبرة عالية ودقة في القراءة، حيث يمكن المرء من معرفة نقاط قوته وضعفه وتحسين جودة القراءة.
كما تعتمد قراءة لغة الجسد على الإبداع، حيث أوضحتا أن الفروق بين قراءة لغة الجسد تكمن في كيفية توظيف الخبرات في التحليل والتفسير للتوصل إلى الحقيقة، حيث إنها تمكننا من تفسير الحالة الشعورية للشخص الذي أمامنا لكنها لا تعطينا حقيقة ثابتة حول هذا الشعور، والقارئ المبدع هو الذي يستطيع أن يتعامل مع معطيات لغة الجسد للتوصل إلى الحقيقة دون تأويل.
وفيما يخص الحدس، قالتا إنه يشكل مع لغة الجسد ثنائيا رائعا في عالم فهم الشخصيات، وتوظفيهما معا يعطي نتائج مبهرة.
أما عند تفسيرهما لأهمية المحاكاة فقد قالت سارة وهاجر إن ما نراه في وجوه الناس ما هو إلا انعكاس لما في وجوهنا، ومن ثم لابد من أن ينتبه المرء إلى لغة جسده أولا فلها تأثير كبير على مشاعر من حوله وبالتالي على إشاراتهم خاصة أثناء تبادل الحديث، ومحاكاة الطرف الآخر خلال الحديث من خلال الإشارات غير اللفظية ونبرة الصوت ومستوى سرعة الحديث لها أهمية كبيرة في خلق الألفة والراحة معه سواء أكان صديقا أو عدوا، وهو ما يكون له نتائجه الإيجابية.
وهكذا إجمالا، فإن هذا الكتاب يمكن من خلاله التعرف على أسلوب مؤلفتيه في التعامل مع مفاهيم لغة الجسد. فالأمر، كما وصفتاه، يبدو كتعلم حرفة فنية جديدة مثل الرسم، فقد تكون مثلا تستطيع التمييز بين الألوان وتعرف أن لكل لون مكانه المناسب لكنك لا تعرف كيفية استخدام الفرشاة وتوظيف الألوان بالشكل المناسب. هكذا، سوف يساعدك التعرف على هذا الأسلوب على وضع كل لون في مكانه المناسب، فتقوم بما كنت تدركه أساسا لكنك لم تستطع التعامل معه بشكل جيد.
فلا تستطيع مثلا أن تجزم أن زميلك في العمل يكذب عليك أو أن علاقتك العاطفية ناجحة أو أن لغة جسدك مناسبة لبيئة عملك. هاهنا ستساعدك هذه المعرفة على إبراز فطرتك في فهم الآخرين.
فصول الكتاب
ينقسم الكتاب، الذي يعد أحد إصدارات دار سما للنشر والتوزيع، إلى 6 فصول معززة بعدد كبير من الصور والرسوم التوضيحية الرائعة التي تيسر فهم الأفكار المراد شرحها للقارئ.
يتناول الفصل الأول فن قراءة لغة الجسد حيث يؤكد على أن لغة الجسد ليست وسيلة لإطلاق الأحكام بل هي أداة للتفسير. ويتطرق الفصل إلى تأثير الجهاز الحوفي في المخ على لغة الجسد وأنواع هذه اللغة، قبل أن يتم شرح الأنماط الصوتية التي تمثل إحدى ثلاث أدوات للتواصل والتي تشغل نسبة 38% من عملية التواصل، وفق نموذج مهرابيان، فيما تمثل لغة الجسد 55%، أما الكلام فلا تتعدى نسبته من عملية التواصل 7% فقط!
أما الفصل الثاني «أطلس المشاعر» فيتناول تعبيرات الوجه باعتبارها من أهم أساليب فهم الآخرين، وكذلك العواطف السبعة العالمية الأساسية وهي الغضب والحزن والسعادة والخوف والمفاجأة والازدراء والاشمئزاز، وعلاقة كل ذلك بقراءة لغة الجسد.
يتناول الفصل الثالث من الكتاب «الحب من منظور العلم» مجموعة من المشاعر والمصطلحات المتعلقة بعاطفة الحب ورؤية العلم لذلك وكيفية تفسيره من خلال لغة الجسد، ومن هذه الأمور الافتتان والتعلق والارتباط والتملك والشفقة والإهمال، وبطبيعة الحال: الحب.
في الفصل الرابع «جهاز كشف الكذب» تؤكد المؤلفتان على أن جهاز كشف الكذب الفعلي يكمن في العين المجردة، لكنهما تتطرقان في الوقت نفسه إلى آلية عمل جهاز كشف الكذب الذي اخترعه الطبيب النفسي الأميركي جون أ. لارسون في العام 1921، عبر التغيرات في فسيولوجية الجسم، لكنهما تعيدان التأكيد على أنه عند توظيف العين بذكاء يمكن التعرف على مشاعر الآخرين بشكل أكثر دقة. كما يتطرق الفصل إلى ما يحدث في دماغ الكاذب وعلاقة الكذب بالمشاعر الأساسية، وأسباب الكذب وأساليبه وسيكولوجيته.
تحت عنوان الفصل الخامس «الأوسكار الوظيفي» أوضحت المؤلفتان سارة وهاجر عبدالرحمن أنه مهما تعددت الانطباعات تظل كلمة الانطباع الأول هي الأقوى والأبقى في الذاكرة. فإذا كانت المقاربات في الفصول السابقة تتعرض إلى فهم لغة الجسد من جهة التلقي، فإن هذا الموضوع يرمي إلى الاستفادة من الخبرة في إتقان هذه اللغة من جهة الإرسال، بداية من ترك انطباع جيد في مقابلة العمل، وصولا إلى كيفية التعامل مع الرؤساء في العمل والزملاء، بل حتى خلال العروض التقديمية. في الفصل السادس والأخير من الكتاب عدد من النماذج لـ «تطبيقات لغة الجسد» تبدأ بنصيحة هي «ابحث عن شغفك» توجه بإمكانية العثور على ما تحب مهما اختلف سياق الدراسة أو العمل. وفي سياق الفصل تتناول المؤلفتان هذه التطبيقات وتفصيلاتها تحت عناوين مختلفة منها: جلسات العلاج النفسي، الحس الأمني.
رائدتان في «التواصل» وحساب «مليوني» على «انستغرام»
كانت الخبيرتان القطريتان سارة وهاجر عبدالرحمن مبادرتين ورائدتين في دخول عالم وسائل التواصل الاجتماعي من باب لم يسبقهما إليه أحد في المنطقة بأكملها، حيث أنشأتا حسابا على موقع «إنستغرام» لتحليل مقاطع مصورة لمشاهير أو مشاهد من أفلام وتوضحان ما تقوله لغة الجسد ولم ينطق به اللسان بل عبر عنه بحركات أو إيماءات.
وقد حقق هذا الحساب انتشارا واسعا على مستوى دول الخليج والدول العربية، حتى تجاوز متابعوه مليون ومائة ألف، حيث أكد الكثيرون أنه حساب ثقافي يشرح معاني لغة الجسد وتفسير الحركات بصورة تجمع بين الفائدة والمتعة وتقدمهما لشرائح كبيرة من المهتمين بهذا الشأن.
وبينما سبق للمدربتين المعتمدتين في مجال لغة الجسد سارة وهاجر عبدالرحمن نشر إصدارين في هذا المجال هما «عيناك تحدثني» و«مسرح المشاعر»، فإن هذا الإصدار «عالم لغة الجسد» يتميز برؤية أعمق لمفاهيم لغة الجسد، حيث انه يحيك النسيج الكامل للخبرة التي تمتلكها الخبيرتان من خلال تجربتهما القائمة على تفسير وقراءة الآخرين، حيث يغوص القارئ في معالم أفكارهما بشكل اكثر تفصيلا في قالب علمي شيق جدير بالثقة.
المصدر
المصدر الأصلي هو المعني بصحة الخبر من عدمه
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.