شاغلة الفرنسيين والشخصية الأكثر تشويقا وإثارة في فرنسا، كل ظهور إعلامي لها يترافق مع حكايات وروايات تنشرها الصحف للحديث عن ابنة العامل المغربي «مبارك» والشغالة الجزائرية «زهرة» وهي وزيرة العدل الفرنسية السابقة خاطفة الأضواء وعاشقة البذخ والترف رشيدة داتي.
لم تنحسر الأضواء عنها بعد تركها الوزارة إذ بقيت في صدارة المشهد الإعلامي الفرنسي بحوادث عدة منها اتهامها بترويج الإشاعات عن الخلاف بين ساركوزي وبروني الى قضية ابنها من الأب المجهول الى قضية التزوير بشهاداتها الرسمية الى قضية أزيائها المستفزة ووصل الأمر لدرجة تلصص برنامج تلفزيوني على مكالماتها الهاتفية الخاصة تحت قبة البرلمان الفرنسي.
تشكل داتي النموذج الأمثل للشخصية العصامية التي بنت نفسها بنفسها، إذ ولدت لعائلة أمية لا تعرف القراءة والكتابة، وباعت في شبابها اللحوم المجمدة في الأسواق الفرنسية وعملت في تنظيف المنازل مع أمها لتتمكن من مواصلة دراستها، حيث اختارت دراسة الاقتصاد بديلا عن الطب الذي يحتاج دراسة طويلة ولا تستطيع معه العمل لمواصلة دراستها الجامعية.
اقتناص الفرص
هي أول شخصية منحدرة من الهجرة المغاربية في فرنسا تتولى وزارة العدل وهي الحقيبة الأكثر اعتبارا وأهمية في الدولة الفرنسية لتشكل سابقة صفق لها الجميع واعتبروها خطوة إنصاف لجهود الأقليات العرقية وتاريخها في فرنسا.
دائمة البحث عن الفرص لتقتنص الأفضل لها ولا تتردد في طلب المساعدة من الرجالات الكبار حيث أنشأت صداقات عديدة مع شخصيات بارزة في الدولة الفرنسية أوصلتها للتعرف على أسرة نيكولا ساركوزي الذي جعل منها متحدثة باسمه اثناء ترشحه للانتخابات الرئاسية بناء على نصيحة زوجته سيسيليا، وسرعان ما سطع نجمها، وأظهرت براعة في الدفاع عن المرشح اليميني وعن برنامجه، وأمنت التوازن بين ذهاب ساركوزي الى تصيد أصوات اليمين المتطرف والتأكيد من خلال وجودها الإعلامي على أنه لن يذهب الى حد العنصرية.
وبين متفائل ومتشائم ومرحب ومعترض على تعيينها وزيرة للعدل عام 2007 أصبحت رشيدة داتي نجمة الصحافة الفرنسية وحديثها الأكثر شعبية إذ بمجرد وصولها لكرسي الوزارة فرضت شخصيتها بحضورها وابتسامتها العريضة وبدأت المشاكل والأخبار تطاردها من جهة اخرى حيث استقبلتها جريدة «اللوموند» بخبر عن تزوير شهاداتها المدرسية للوصول الى مناصب مهمة لتبدأ داتي بتصدر اهتمامات وسائل الإعلام.
المتسلطة
بدورها ووصفتها صحيفة «الإكسبرس» بالشخصية المتسلطة في تعاملها مع مستشاريها ومساعديها وعنها يقول مدير مكتبها «بأنه لم يعد يتحمل مزاجها المتقلب وطريقة كلامها معه»، وكذلك فعل 12 من المساعدين والمستشارين في ظرف سنة وكلهم اشتكوا من مزاجها الصعب المتقلب، ولم تسلم أيضا من انتقادات زملائها في الحكومة ومنها تصريح الوزيرة المنتدبة لحقوق الإنسان، السنغالية الأصل «راما ياد» التي: أكدت «أنها حاولت مرارا التقرب من زميلتها رشيدة، لكنها وجدت انه لا شيء يجمعهما ببعض، فرشيدة تحب السهرات والفساتين الجميلة، أما هي فلا يستهويها سوى تاريخ فرنسا القديم».
الخمور والسكر الشديد
لم تسلم داتي من الانتقادات حتى من ابناء جلدتها حيث شنت الجمعيات الإسلامية الفرنسية حملة غير مسبوقة ضدها على خلفية تسجيل فيديو تداولته أهم المواقع الإخبارية الفرنسية يظهر الوزيرة وهي في حالة سكر شديد.
ووصلت هذه الانتقادات الى الصحف الفرنسية الرسمية مثل «ليبراسيون» التي انتقدت بدورها «السلوك المستهجن» لسيدة العدل الفرنسية، واعتبرت ان إفراطها في شرب الخمر واستعراضها أمام الكاميرا بهذا الشكل يسيء آليا الى مصداقية العدالة الفرنسية على حد تعبير الصحيفة الفرنسية.
عذرية الفتاة
من الحملات العنيفة التي طالتها ايضا كانت عندما ألغت زواج مسلمين بسبب عدم عذرية الفتاة وكانت الوزيرة في أول تصريح لها آنذاك أعلنت ان «هذا القرار هو حماية للفتاة»، فهبّت الأصوات من اليمين واليسار لتتهمها بانعدام المسؤولية، فقالت وزيرة الصحة روزلين باشلو: «انها مصدومة جدا..» وقال فريدريك لوفبر الناطق الرسمي للحزب الحاكم انه «مذهول ولا يفهم شيئا»، اما ادوارد بالادور (نائب ورئيس حكومة سابق) فعقب يقول: «لا تدعوها تتحدث فهي حمقاء» اما باتريك دوفجيان الذي يرأس أمانة الحزب الحاكم فكان أكثر المنتقدين لوزيرة العدل باعتبارها أخذت منه المنصب الذي كان يطمح إليه وكان قد صرح بأن «مقوماتها تتلخص في كونها رمزا من رموز التعددية» فقط لا غير، «ناهيك عن انتقادات المعارضة من اليسار، وأعنفها كانت تصريحات النائب أرنو منتوبور الذي قال عنها ان: «إصلاحاتها أكثر غباء منها، فهي غير كفؤة بمنصبها ولا يدعمها سوى الرئيس لأنها تابعة مطيعة له».
المغامرات الجنسية
إلا ان الحادثة الأبرز التي شغلت الرأي العام كان خبر حملها دون الكشف عن هوية الأب إذ تعمدت داتي الظهور ببطن منفوخة لتخبر الصحافيين عن حملها في انثى مع رفضها القاطع للكشف عن اسم والد الطفلة ولتكون أول وزيرة فرنسية تحمل وهي عزباء لتتجاوز الفرنسيين أنفسهم ولتتركهم في حيرة من أمرهم حول الأب غير الشرعي لطفلتها الذي تارة يكون شخصية عربية وطورا رئيس وزراء إسبانيا ومرة اخرى شقيق الرئيس ساركوزي او ابن النجم العالمي آلان ديلون، وتستمر داتي في تحدي القواعد الاجتماعية، حيث لم تلتفت لوالدها الذي قاطعها عندما علم أنها حامل من غير زواج ولتصفها صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» قائلة: «ان كارلا بروني ساركوزي صاحبة التاريخ العريق في المغامرات العاطفية والجنسية تبدو كالأم تيريزا اذا ما قورنت برشيدة داتي». وكانت المفاجأة عندما حضرت داتي المجلس الوزاري الأول بعد وضعها ابنتها «زهرة» ولم يمض على وضعها سوى 5 أيام لتصفها الصحف بـ «المرأة الخارقة».
حكم المخدرات
رغم الفترة القصيرة التي قضتها داتي في وزارة العدل، الا ان المشاكل التي رافقتها كانت كبيرة جدا ومنها ايضا حادثة مثول اخيها جمال داتي امام احدى المحاكم بتهمة الاتجار في المخدرات وذلك حسبما اكد متحدث باسم المحكمة الرئيسية بمدينة نانسي الفرنسية حيث كان جمال قد تلقى في فبراير 2007 حكما بالسجن 6 اشهر مع وقف التنفيذ، غير ان المدعي العام قدم استئنافا ضد هذا الحكم مطالبا بتشديد العقوبة على شقيق الوزيرة.
داتي وساركوزي.. مد وجزر
الا انه رغم كل معارفها القديمة والحديثة يبقى نيكولا ساركوزي بمنزلة الفارس الذي انتشلها من حياة الرتابة والبساطة الى اضواء المجد والشهرة، حيث عينها اولا مستشارةفي وزارة الداخلية حين كان على رأسها، ثم ناطقة باسم حزب التجمع الوطني اليميني، الى ان اوكل اليها وزارة العدالة وهي من اهم الحقائب الوزارية وتعترف الوزيرة بفضل الرئيس عليها وتقول ان والديها اعطياها الحياة، اما ساركوزي فقد منحها شهادة ميلاد جديدة في المجتمع ولهذا ستبقى وفية له مهما حدث وهو الامر الذي يبدو انه لم يتحقق حيث راجت مؤخرا احاديث عن خلافات بين الرئيس ساركوزي وزوجته كارلا بروني ثم زج اسم وزيرة العدل السابقة رشيدة داتي التي وجهت اليها اصابع الاتهام باعتبارها احدى الجهات التي روجت لهذه الاشاعات لتصدر بيانا نفت فيه اي علاقة لها بهذه الاشاعات وجاء في البيان ان داتي تستنكر بشدة ما جاء في بعض وسائل الاعلام من تحميلها مسؤولية نشر اشاعات عبثية وغير مقبولة حول الحياة الخاصة للثنائي الرئاسي، وهددت داتي باللجوء الى القضاء ضد كل من ينقل هذه الاخبار التي لا اساس لها من الصحة. كما ذكرت بعض التقارير الشهر المنصرم ان وزارة الداخلية ابلغت داتي التي تشغل الآن منصب نائب في البرلمان الاوروبي بسحب رجال الامن الاربعة منها وكذلك سحب السيارة الوظيفية والسائق الذي كان في خدمتها، وافادت اخبار وقتها ان معاقبة داتي قررها ساركوزي نفسه بعد تعليقاتها عن الانتخابات الاقليمية ودعوتها الرئيس الفرنسي الى العودة الى «القيم الاساسية» لليمين ما يعني ضمنا ان ساركوزي تخلى عنها لتصفها بعض الصحف بأنها النجمة التي هوت.
وزيرة أم عارضة أزياء؟
الجانب الشخصي كان المكان الأرحب للهجوم على داتي من قبل الصحافة التي سطرت صفحات وصفحات حول حرصها الدائم على الظهور في الحفلات والمناسبات بالفساتين والحلي باهظة الثمن، في الوقت الذي كان يُطالب فيه الفرنسيون بشد الحزام لأن «خزائن الدولة فارغة»، حتى ان النائب اليساري «أندريه فليني» قال انها «تزور السجون وكأنها تحضر مهرجان كان»، أما موقع «ميديا بارت» فقد كشف عن ان ميزانية المستشارية ارتفعت منذ وصول داتي بنسبة 30% معظمها صُرفت على حفلات على شرف ضيوفها.
الوزيرة دافعت عن نفسها قائلة انها «تعودت منذ صغرها على الظهور بمظهر أنيق ليس حتما بثياب غالية الثمن بل باحساسها بالراحة والرضا عن مظهرها، وهو ما تعلمته عن والدتها».
مشكلة اخرى تتعلق بأزياء الوزيرة أثارت ضجة عندما نشرت الصحافة عن وجود مشكلة بينها وبين دار ايف سان لوران بسبب مماطلتها في إرجاع الفساتين والثياب التي أعارتها إياها دار الخياطة الشهيرة بحسب التقليد الذي يجري في هذه الأوساط، ويقال ان دار ايف سان لوران اضطرت الى تهديد الوزيرة برفع دعوى قضائية ضدها وقطعت بعدها تعاملها معها.
وفي مجال الأناقة أيضا خصصت مجلة «باري ماتش» في ديسمبر 2007 غلافها للوزيرة التي ظهرت بثوب من قماش أحمر من تصميم «ديور»، وتضمن العدد تحقيقا مصورا احتل عدة صفحات من المجلة.
وتساءلت بعض مواقع الإنترنت عن سبب ظهور الوزيرة بهذه الأناقة الفخمة وبالجزمة ذات الكعب العالي وقالت: «هل هذه وزيرة للعدل أم عارضة أزياء؟».
كما تناقلت مواقع وصحف اخرى أخبار غياب الوزيرة الفرنسية عن مناسبة سياسية في واشنطن لأنها كانت في السوق تبحث عن فستان للسهرة ترتديه في العشاء الرسمي الذي أقيم على شرف الرئيس الفرنسي والوفد المرافق له، وقيل ان داتي أخذت معها من باريس بدلة «سموكنغ» نسائية مؤلفة من سترة وسروال ولم تكن تعلم ان اللباس الرسمي للنساء في الحفل كان ثوب السهرة الطويل.
تساؤلات أخرى عن البذخ المفرط لداتي ساقتها الصحف بأسئلة عديدة منها: كيف يمكن لرشيدة داتي وزيرة العدل الفرنسية ان تشتري خاتما من الذهب مرصعا بالألماس تبلغ قيمته 15600 يورو من واحد من أشهر محلات المجوهرات في فرنسا وهي الموظفة محدودة الدخل وابنة عامل محدود الدخل من أبناء المهاجرين المغاربة؟
وتعمدت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية في وقت سابق أثناء نشر صورة لها على صفحاتها إخفاء الخاتم الثمين الذي يحمل اسمه «شوميه» أحد أشهر بائعي المجوهرات في فرنسا من يد رشيدة داتي في إطار الحديث الخاص الذي أدلت به رشيدة للصحيفة لتوضيح موقفها حيال الأزمة القائمة بينها وبين رجال القضاء في فرنسا. وكشفت مجلة «اكسبريس» الفرنسية ان «لوفيغارو» قررت في بادئ الأمر نشر صورة لرشيدة داتي وهي ترتدي هذا الخاتم الثمين ثم عادت وأخفته من يدها قبل لحظات من طبع الصحيفة، وصرحت ديبورا التمان رئيسة قسم الصور بصحيفة «لوفيغارو» ان المسؤولين عن التحرير قرروا في اللحظات الأخيرة إخفاء الخاتم الثمين من يد رشيدة داتي لتحاشي اندلاع جدل حول الخاتم في وقت تتصاعد فيه حدة الأزمة بين رشيدة داتي والقضاة، وكان 534 قاضيا فرنسيا قد وجهوا رسالة مكتوبة الى وزارة العدل نددوا فيها بما وصفوه بتنافر وتشوش السياسات القانونية لرشيدة داتي وطالبوا فيها الوزيرة المغربية الأصل بتقديم الاعتذار عما ارتكبته من أخطاء.
اكتشاف المزيد من موقع نايفكو
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.